تخيلوا المشهد؛ دخول ضيف عليكم من دون سابق إنذار، يتوسط البيت وكأنه صاحبه لا يتورع عن اقتحام خصوصية أفراد الأسرة، يفتح البراد يتناول ما يريد!
ليس هذا فحسب، بل يقترح على ربة المنزل الطعام الذي يريد منها أن تطبخه له في المرة المقبلة. يعلق على الأولاد وعلى كل حركة يقومون بها يتدخل في شؤونهم، ويشخط وينطر.
ضاق أصحاب البيت ذرعا بهذا الضيف الثقيل، لكنهم لا يستطيعون القيام بأي إجراء للتخلص منه… حقا إنهم في ورطة كبيرة؟!
يتمادى ضيفنا كثيرا وهو يوجه إرشاداته وتعليماته، ولكن هذه المرة لرب الأسرة، فيقحم نفسه في كل صغيرة وكبيرة، لا رادع له سوى رب الأسرة الذي انعقد لسانه وفقد السيطرة على بيته أمام ضيف ثقيل الدم متجرأ عليه وعلى منزله، ولا يتورع عن عمل أي شيء يستفز أفراد الأسرة.
الوحيد الذي يستطيع وضع حد له هو رب الأسرة، فهو أمامه خياران، إما أن يصمت على تجاوزات الضيف فيتمادى الضيف أكثر ويفقد رب الأسرة معنى كونه كبير العائلة، أو يرفع البطاقة الحمراء ويزمع على التخلص من هذا الضيف الثقيل ويتخذ قراره الصعب ويطرده، وهذا يحتاج الى إرادة قوية، فهل يمتلك صاحب البيت الإرادة الكافية للقيام بهذه الخطوة؟!
هذا هو حال من ابتلاه الله بمرض الوسواس القهري، تقتحم وساوس وأفكار غريبة وسخيفة في الوقت نفسه تفكيره، تعوقه عن ممارسة حياته اليومية بشكل اعتيادي، في كل لحظة تراوده تلك الوساوس يتخيلها في عقله يحدثه بها صدره أينما يذهب تتردد داخل تفكيره وكأنها عشعشت في داخله، ينام ويصحو، يأكل ويشرب، يلبس ويعمل، هي كما هي لا تتركه يستمتع بحياته، انقلبت أوضاعه رأسا على عقب لم يعد يهتم بأسرته كما كان يفعل قبل تطفل الوساوس عليه. يهمل نفسه وينطوي لتصبح تلك الأفكار الغريبة وغير المنطقية جزءا من حياته، انقاد اليها بلا إرادة، يخاف منها، تدفعه الى شفير الهاوية، الخلاص منها صعب في تصوره، بل هو المستحيل بعينه.
إن الصدمات النفسية والعاطفية والخوف من المستقبل والشك والإفراط في النظافة ونمط الحياة الروتيني الخالي من التجديد من أهم أسباب الإصابة بالوسواس القهري. فقد أشارت بعض الدراسات إلى انتشار هذا المرض في المجتمعات العربية؛ حيث يشكل نسبا مقلقة تستدعي أن تتخذ المنظمات والهيئات الصحية الحذر لمؤشر تصاعد هذا المرض وتفشيه في مجتمعاتنا العربية؛ حيث يعاني الكثير من الناس تسلط مرض الوسواس القهري على تفكيرهم، وما يجعل حالة المصاب به تزداد سوءا هو خوفه من البوح بالأفكار والتخيلات التي يشعر بها حتى لا يوصم بالجنون.
أما في الأردن فلا توجد إحصائيات رسمية يمكن الاستناد عليها تبين نسب الإصابة بالوسواس القهري، فهذا المرض شديد الخطورة لكن يمكن علاجه والشفاء منه.
الغد