العجز عن الاتفاق على الاختلاف
فيصل تايه
21-10-2021 08:52 PM
بتنا في جميع أحوالنا وتصرفاتنا وطرائق أحاديثنا وطروحاتنا نحتاج الى بناءٍ جديدٍ يقوم على أنقاض مأساة ينبغي الاعتراف بها، وهي أننا في وعينا الباطن قاصرون عن الإدراك، قاصرون عن وضع معايير وأسس نسير عليها لتكون مرجعية لنا في الحكم على الأشياء وتلك الأعمال والأفكار والأطروحات، نحن حتى اليوم وحتى اللحظة نعجز عن الاتفاق عند الاختلاف وعن التخطيط عند الدراسة وعن الحكم عند التقييم، منهجنا الوحيد والمتسبب في ذلك عشوائية مزمنة ومزاجية متبرجة ورفض لفتح الأبواب على القبول بالآخر والاختلاف معه ضمن سقوف الحريات وحدود الاحترام.
حتى اليوم نمانع في نبذ قيود التخلف والركود، ولهذا ما زلنا نسمح للوساطة ومحسوبياتها بالبحث عن استثناءاتها الفوضوية برمي حبلها على الغارب، ومستمرون في البحث عن تنفيعات وترضيات دونما اعتبار لما يترتب عليها من تأثيرات سلبية لمختلف قضايانا الطارئة ، وقبل ذلك وبعده على ثقافتنا وعقولنا واستمرارنا في ترسيخ مناهج الخط المنحني على المستقيم لدى الأوساط المصنفة "نخبوية" بامتياز.
المزري أننا بلا (فرامل) حتى الآن رغم التجارب المريرة التي واجهناها ، لكننا بقيت تمرغنا في اتون اللاجدوى من الحكايات اللامنتهية ، ثم شكونا "لكن الشكوى لغير الله مذلة" ، وبقينا على ممارسة ألاعيب الشيطان لنحصل على براءة مما لا يزال يديدننا ، ثم غصنا في قلة الحيلة وشكونا منها ثم انقلبنا على عدم المعرفة بإدعاء المعرفة وامتلاك الحقيقة الكاملة والوحيدة ، وما لبثنا ان رتلنا آيات الأسى والحسرة من الصنميات والفرديات ثم ذهبنا ونذهب نحو صنميات وفرديات ومنها صنمية الأنا المتضخمة والرافضة للتسليم بأن النهوض والتغيير والانطلاق لا تقوى المزاجية على تحقيقه ولا الانتقائية ولا الإقصاء ولا الارتجال ولا محاولات نثر رماد الجهل الذاتي فوق رؤوس الآخرين.
ونبقى نشكوا من العلل والأسقام المتغلغلة في العقول والنفوس ، ما تحتاج إلى تجفيف منابعها وهدم معبدها بل يحتاج ذلك إلى إرادة لا رغبة عابرة ، وهو اختبار حقيقي شاق على المؤمنين والمقتنعين بذواتهم وبألوهية أفكارهم وقدسية انتماءاتهم وعلى أشباههم من المتسلقين ومدمني الانفلات والرقص المتواصل.
ما لم يدركه كثيرون حتى الآن أن ما يلزمنا بركان حقيقي يثور على مفاهيمنا المغلقة ، بل وتلزمنا قنبلة تفجيرية لا صوتية تغير طبوغرافية الفكر ونظرة سم الخياط للأمور ، وتصنع تضاريس جديدة ممهدة أمام متطلبات التغيير الحقيقي والنوعي والجدي ، تلزمنا تغيرات واسعة النطاق لاعتقادات الأحقية المصحوبة بالجعجعة الفارغة والممتلئة بالدهون والشحوم ، ولا يمكن أن يتحقق ما نحلم به للمستقبل إذا استمر كل عتل في دحرجة أهوائه الخاصة فوق ما يحسبها جثثاً هامدة وهي النابض الوحيد، هذا النوع أرهقنا وأشقانا بمحدوديته ورميه الآخرين بدائه ، وفي الأمر ثمة مسؤولية أخلاقية وإنسانية لا تزال في غيبوبة.
ودمتم سالمين