نحن والصين والولايات المتحدة
د. جواد العناني
21-10-2021 12:08 PM
أطلقت "ناسا" (وكالة الفضاء الأميركية) يوم السبت الماضي مسباراً فضائياً (space probe)، ليتجه في رحلة مسافتها ستة مليارات كيلومتر، تستغرق 12 عاماً لتدور على الكويكبات الطروادية القريبة من كوكب المشتري (Jupiter).
وتشرع المركبة الفضائية "لوسي" التابعة لوكالة ناسا في رحلة استكشافية مدتها 12 عامًا، بهدف التقاط صور لأسراب كويكبات طروادة غير المرصودة لكوكب المشتري.
ويأمل العلماء أن يقدم تحليق المسبار لوسي قرب سبعة من كويكبات طروادة تفسيرات جديدة بشأن كيفية تكوين كواكب المجموعة الشمسية قبل نحو 4.5 مليارات عام وما الذي صاغ نسقها الحالي.
وحيث إن كوكب المشتري يدور حول الشمس، مثل الأرض، فإن المسافة بين الأرض والمشتري تتفاوت بين 588 مليون كيلومتر و667 مليون كيلومتر. والهدف من هذه الرحلة العجيبة بدون رواد فضاء هو البحث عن معلوماتٍ تزيد من معرفتنا للطريقة التي تكوّنت بها مجموعتنا الشمسية.
كما وقع اختيار وكالة "ناسا" على اقتراح جديد لتلسكوب فضائي سيدرس التاريخ الحديث لولادة النجوم وموتها وتشكّل العناصر الكيميائية في مجرة درب التبانة، ومن المتوقع إطلاق التلسكوب المسمى بـ"سي أو إس آي"، في عام 2025 كأحدث مهمة مصغرة للفيزياء الفلكية لوكالة ناسا.
منافسة صينية شرسة
وفي المقابل، أرسلت الصين، يوم الخامس عشر من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، ثلاثة أشخاص من رواد الفضاء (رجلين وامرأة) على مكّوك فضائي (شينزو 13)، إلى مسافة قريبة لكي يُجروا تجارب على محطّة فضائية، يطلقون عليها اسم "تيانهي"، والتي تشكل النموذج المحوري لمحطة الفضاء الضخمة تيانغونغ Tiangong، وسيستكمل الرواد الثلاثة بناءها.
ومع أن المشروعين، الأميركي والصيني، كبيران ومهمان، على الرغم من اختلاف أهدافهما، إلا أنهما يظهران الوجه الحقيقي للمنافسة الحامية بين الدولتين، للتفوّق في مجال الفضاء، آخر ثغور العلم والتكنولوجيا والأكثر تحدّياً وتطوراً.
وبنجاح كل منهما في مهمته، فإنه يحقق مجموعة من الأهداف التي تعزّز مكانته الدفاعية والتكنولوجية، وحتماً الاقتصادية، فوصول الولايات المتحدة إلى الكويكبات التي تدور حول الشمس بالقرب من كوكب المشتري، والتحكّم بها، وجمع المعلومات عن نشأة مجموعتنا الشمسية لا يمكن تحقيقها بدون تطوّرات هائلة واختبارات علمية على كمبيوترات فائقة القدرة والسرعة. وكذا على مواد جديدة ذات خصائص فريدة، وعلى نُظُم اتصال معقدة. وفي نهاية المطاف، سوف تتحوّل كل هذه القدرات إلى تعزيز التكنولوجيا العسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة.
وبنجاح الصين في بناء محطّة فضائية ضخمة قريبة من الأرض، فإنها سوف تحرم الولايات المتحدة من احتكار نظام الاتصالات الدولي. وقد سمعنا أن الهواتف الشخصية الجديدة ستكون قادرةً على التواصل مباشرة مع أي هاتف آخر في العالم بدون وساطة شركات الهواتف الأرضية، وبدون "بلوتوث"، أو "كوابل الحكومة من الألياف البصرية" أو غيرها. بل ستكون الهواتف الشخصية بحد ذاتها قادرةً عبر محطّات فضائية أن تفعل ذلك. وبِتَمَكّن الصين من إرسال مركبة فضائية تستطيع أن تتصل بقاعدة فضائية، وتُنْزِل إلى تلك القاعدة ركّاباً من الأرض ليؤدوا مهماتٍ طويلة الأجل، فإن هذا يعني أن الصين قد حقّقت إنجازات علمية هامة، تجعلها قادرةً على البقاء في مجال المنافسة الحيوية في علم الفضاء، ودنيا الاتصالات وعالم الحواسيب الخارقة.
العرب غارقون في المشاكل
يحدُث هذا كله، ونتساءل بماذا تنشغل الولايات المتحدة عن قضايا الشرق الأوسط؟
نحن العرب قادرون على إنتاج المشكلات التي لا نستطيع أن نجد لها حلاً. وما زلنا نتعامل مع مشكلاتنا وقضايانا كما يفعل أهل "ليليبوت"، أو عالم الأقزام في مجموعة قصص "رحلات جليفر" التي كتبها جوناثان سويفت، مؤلف وشاعر ورجل دين أيرلندي، عام 1726، فأهل ليليبوت الصغار يقاتلون جيرانهم ويحاربونهم حرباً ضروساً بسبب اختلافهما حول مكان كسر البيضة من طرفها المدبب أم من طرفها العريض؟
ما جرى في بيروت من حربٍ عند الحد الفاصل بين شرق بيروت وغربها، وأحيا الذكريات الأليمة للحروب الأهلية في بداية الربع الثالث من القرن الماضي في عقل كل لبناني، ما سببه؟
واحدٌ لا يريد القاضي الذي سيحكم في قضية انفجار ميناء أو مرفأ بيروت قبل أكثر من عام، والآخر يقول إن القاضي سيبقى. وفي هذه الأثناء، لا يحل إشكال، ولربما تشتعل حرب هناك لا سمح الله، لا يُطفأ أوارها إلا بعد أن تذوي لبنان.
والجيش والمدنيون في السودان اتفقوا على برنامج لتقسيم السلطة وترتيب المرحلة الانتقالية، ولكنهم الآن ينقضون على بعضهم بعضا. وقس على ذلك في تونس. وأستمعُ وأشاهدُ وأقرأ كل يوم تحليلات وتفسيرات لما يجري، وأجد نفسي حائراً.
والجوع يزداد في اليمن، والأطفال يتحوّلون إلى عظام نخرة بين أيدي أمهاتهم، والسياسيون يتجادلون حول من يجب أن يسلم رأيه لرأي الآخر.
أين حق الشعوب العربية في الحياة الكريمة؟ من أين جاء كل هذا الخراب والدمار، والقدرة على استمرائه والتصبر على رؤيته والإدمان على الاستزادة منه؟
أسئلة تحار فيها العقول وتضل في سعي فهمها القلوب. انظروا إلى ما يجري في فلسطين من تحطيم لكل ما كان مقدّساً لدى العرب والمسلمين. ولكن لا كرامة ولا استجابة. ونسمع من المفسّرين من يقول إن السبب هو الجهل، على الرغم من عدد الشهادات بلا عدد من كثرتها. ويقول آخر إن السبب هو المغالاة في الدين والخروج عن مبادئه الحنيفة. ولكنا نُذبَّح، نحن العرب، باسم الدين من أناسٍ يعتقدون أن تفجير أنفسهم في المساجد سيأخذهم إلى جنة رضوان.
أين ذهبت السبعمائة آية التي تتحدّث عن التأمل والتفكر، والتبصر، والتدبر، وطلب العلم، والسعي إلى الحقيقة؟ وأين تولت نوازع التكافل والرحمة؟ ولماذا ردّونا إلى هذا المستوى من التنافر والتدابر والهوان؟
نعم. تحت القاع قيعان. وحمانا الله.
العربي الجديد