«فاردات» .. وفتْح القسطنطينية!
ناديا هاشم العالول
21-10-2021 12:03 AM
وأخيراً زالت قيود كورونا وعادت الوجاهية تدريجياً وفتحت المدارس والجامعات أبوابها وباتت الأمور قاب قوسين أو أدنى من الوضع الطبيعي آملين الالتزام من قِبل الجميع لئلا تحدث نكسة لا سمح الله..
فعلى هامش الأفراح نشاهد أخيرا فاردات من كل الأشكال والأحجام تأخذ راحتها بالتمدّد فاردة نفسها على كل مسارات الطرق معطلة بطريقها «الذاهب» معرقلة «الآيب» بموكبها «الفرايحي».. فلا السيارات القادمة تستطيع اختراق الفاردة والتقدم للأمام.. ولا السيارات الآتية من الاتجاه المعاكس تستطيع المتابعة لكونها محاصرة بين قارعة الطريق وطوفان الفاردة الذي يرغمها على التقوقع بشرنقتها/ بمكانها/!
وتبرز كاميرات التصوير(الفيديو) المحمّلة على ظهور المصورين عبر فتحات سقوف السيارات بينما تتبعهم شاحنة صغيرة محملة بالكشّافات الضوئية تعمي البصر والبصيرة لتضيء المكان والزمان للمصورين..
ناهيك عن بعض شباب الفاردة الجالسين على حافة النوافذ ما يعني أن ثلاثة أرباع أجسادهم تتدلى خارج السيارة بينما البعض الآخر يلوحون «بقَنْوات» بالفضاء لا أعلم القصد منها بالذات هل لترشد بقية سيارات الفاردة كبوصلة لبيت العروس أم/ للجدْعنَةِ والمَعْلَمَةِ/ لكشِّ السيارات الأخرى التي لا علاقة لها بالفاردة؟!
أضف للمشهد التلويح بالأسلحة النارية، فمن لم يلْق حتفه بالكورونا حتما سيلقاه بالفاردة!
ولعل ما يلفت النظر ظاهرة تضخّم الذات عند الفرداويين (المشاركين بالفاردة) بذبذبات تصدر عنهم أعظم من ذبذبات الذاهبين لفتح القسطنطينية بعام 1453 م.. حيث يعتبر فتحها أهم الأحداث في التاريخ..
وشتّان بين عنجهية الفاردات وصمود الفاتحين للقسطنطينية (استانبول) حصار دام عدة أسابيع (54 يوماً) قاده السلطان العثماني الشاب ذو 21 عاماً محمد الثاني بن مراد العثماني، ضد حزب من البيزنطيين وأتباعهم من أهل البندقية والجنوبيين حتى انهارت دفاعاتهم ووقعت المدينة لقمة سائغة بيد العثمانيين بعد أن شهدت القسطنطينية (استانبول) أيام حصار طويلة..
حيث مثلت حرب الأنفاق إحدى هذه البطولات؛ فحفر الجنود العثمانيون الأنفاق من خارج سور المدينة الحصينة إلى الداخل، ليسمع سكان القسطنطينية قبل أسبوعين من الفتح صوت ضربات قوية تأتي من تحت الأرض.. مما نشر الرعب بين القسطنطينيين المحاصرين متوقعين خروج الأتراك فجأة من تحت أقدامهم، وكثيراً ما راح الجنود الأتراك ضحايا للاختناق بداخل النفق أو الحرق عند خروجهم من النفق من قِبَل السكان المرعوبين المتوقعين ظهورهم فجأة..
نجح العثمانيون بالرغم من استعمال البيزنطيين النار الإغريقية ضدهم خلال حصارهم الأول للقسطنطينية وهي سائل حارق كسلاح تسلّح به البيزنطيون ينفثونه لتنبعث منه النيران.. لينهي العثمانيون بذلك ألف سنة من حكم البيزنطيين.. حيث كانت تُعتبر الإمبراطورية البيزنطية بحينها أكبر قوة اقتصادية وثقافية وعسكرية في أوروبا وأسست ثقافة وحضارة مزدهرة، فالقسطنطينية حاضرة الإمبراطورية وعاصمتها- ودُرَّة المدن وعلى جانبٍ كبيرٍ من التنظيم والتنسيق والتطوُّر بمقاييس زمانها، كما كانت أكبر مدن العالم، ومخزنا للتماثيل ومخطوطات العصر الكلاسيكي.. إلخ
فعلاً.. ففتْح القسطنطينية نموذج مشرف للتضحية والمتابعة والإلتزام يستحق الشعور بالعظمة وشوفة الحال..
وليس من خلال فاردة تعرقل القادم وتعاكس الذاهب!
(الرأي)