على سبيل النقاش مع الصديق زيد عمر النابلسي
احمد ابوخليل
20-10-2021 10:20 PM
بنوايا محترمة بالتأكيد، يبدي الصديق زيد النابلسي استغرابه من التشكيك بقصة "الهوية الوطنية الجامعة"، وعن حق يسأل: إنها ثلاث كلمات واضحات وضوح الشمس، فلماذا يجري تحميلها معانٍ سلبية؟.
ينفي الصديق زيد وعن حق أيضا علاقة الأمر بمشاريع "التوطين"، ثم ينفي وعن حق ثالثا بأن لجنة تحديث المنظومة السياسية التي كان عضوا فيها قد حاولت (وهنا أقتبس): "دس هذا المفهوم بخبث لكي تمرر مشاريع مشبوهة لحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن، وعيب أصلاً أن يتم اتهام تسعين شخصاً من مختلف المشارب والخلفيات والانتماءات التي تمثل كافة أطياف المجتمع الأردني وتياراته المختلفة بأنهم جلسوا خلسةً وتوافقوا على التآمر على وطنهم لتمرير مشروع التوطين والوطن البديل".
استغراب زيد في مكانه، غير أنه يبدو لي أنه وقع تحت تأثير تلك الكلمة الجميلة، أقصد كلمة "الجامعة" التي أثارت نقاشا يبدو ظاهره غريبا، فإذا كنت ترفضون الهوية "الجامعة" فانتم حتما تؤيدون الهوية "المُفرقة". وقد ورد هذا الاحتجاج في تعليقات ومواقف أصدقاء آخرين منهم وائل المنسي وحسام غرايبة وآخرين.
وأضيف هنا استغرابا من طرفي، فقد سبق للمفردة أن استخدمت، كما استخدمت مرادفاتها وشبيهاتها كثيرا، وكانت موقع ترحيب، وقد عثرت اليوم على مقالة للدكتور رحيل الغرايبة عمرها 6 سنوات استعمل فيها كلمة الهوية الجامعة عدة مرات، ولا أذكر انها أثارت خلافا حينا، وحتى عندما قراتها اليوم لم أشعر بأية غرابة.
عزيزي زيد، ليست الهوية الجامعة في طرحها الحالي مجرد فكرة للثقافة العامة، ولا هي دعاية او ترويجا لكلمة إيجابية لكي تستخدم في الخطابة او في النقاش الجاري بين الشباب أو في كتابة الأشعار والخواطر ومنشورات التواصل وهتافات الحراكات... الخ، وذلك سعيا لتغيير إيجابي في مفردات النقاش العام. ليت الأمر كذلك، فهذا بالتأكيد امر محمود.
هذه الكلمة الجميلة الآن تخفي خلفها مشروعا، ليته يكون مجرد التوطين أو الوطن البديل! وهنا لدي رأي قد لا يعجب أصدقاء آخرين: فالتوطين أو اعتبار موقع اللجوء وطنا بديلا للاجئين أفرادا وجماعات، هو شأن بشري إنساني عام، حصل ويحصل في كل انحاء الدنيا وعلى مر التاريخ، بما فيه التاريخ المعاصر. وهو أمر لا يخيف على الصعيد الانساني، ولكنه في حالتنا مرفوض سياسيا لعلاقته بوجود عدو ممارس، وهذا مدخل آخر للنقاش ليس موقعه الدقيق هنا.
الخطورة الجديدة، تكمن في أن الهوية "الجامعة" المطلوبة الآن، عليها أن تجمع "مكونات" تقر سلفا بأنها مكونات، ولا تلتقي معاً إلا بصفتها مكونات، وتتقاسم على هذا الأساس.. وهذه صيغة رغم ان اسمها "جامعة" لكنها في الواقع تعتبر بتقديري أبشع صور التفريق.
قرأت منذ أيام جزءا من مذكرات بول بريمر، حاكم العراق الذي هندس التركيب الجديد للعراق ما بعد الاحتلال. عجبت لعدد الكلمات الجميلة التي استخدمت هناك: فالمطلوب وفق بريمر، هو تحقيق "التمثيل العادل" للعراقيين، والوصول إلى حالة "التوازن في المجتمع العراقي"، لقد كان يسأل منذ وصوله وأثناء تشكيله للمؤسسات الجديدة: أين الشيعة والسنة وأين الأكراد والمسيحيين والتركمان والنساء، وبعد هذه الأسئلة الأولى صار يسأل: هل هناك حصة لشيعة الجنوب؟ وهل هناك حصة للنساء في التمثيل الشيعي؟ واين السنة؟ وكم نسبتهم؟ صحيح أن صدام انحاز لهم ولكن أمريكا لا تنساهم. وهل هناك تمثيل لكافة العشائر؟ أين قبيلة شمر بالذات؟ هل هم ممثلون؟ هل لشباب قبيلة شمر تمثيل في حصتها؟
وبالمناسبة، هذه الأسئلة كان بريمر يطرحها على جماعته وأنصار المحتل وخصوم صدام حسين. إنه لم يكتف بتعاونهم وعمالة بعضهم بل يريدهم أن يكونوا بوجه بعضهم. ولنتأمل النتائج الآن.
صديقي زيد، ليست فكرة الهوية الجامعة بمعناها "الخطير" الذي أدعيه هنا، من انتاج اللجنة المحترمة. بالفعل لا يمكن لهذه اللجنة، وكل أعضائها أو اغلبهم (لكي لا أبدو مجاملا) وطنيون محترمون بذلوا جهدهم.
إن نقاش إعادة تشكيل المجتمعات والدول وإعادة تعريف المجتمعات والدول، مطروح على بلدنا وعلى غيره. أنت تعلم أن الأمر لم يتوقف عند العراق، بل كان شرطا امام السوريين. لقد كان يطلب منهم أن يقدموا أنفسهم وفق انتمائهم لمكونات. دعني أضيف شيئا قد لا يعجبك، فبعض المعارضة السورية يضم مخلصين ووطنيين محبين لوطنهم، ولكن الأمريكي كان يرفض لقاءهم إلا بعد تعريف أنفسهم كمكونات طائفية أو اثنية. (هذا الكلام أنقله على لسان معارض ومفكر سوري) وقد كان ذلك محرجا لبعضهم في البداية، ولكنهم رضخوا، ومنذ أن رضخوا سقطوا. بالمقابل رفضت الدولة السورية القبول بمبدأ المكونات، وذلك حتى عنما قبله حلفاؤهم (الإيرانيون والروس) في بعض الوقت، لقد أصر أشقاؤنا على انهم سوريون وفقط. وفي تقديري أن هذا أفضل ما اقدمت عليه الدولة.
هل يدلنا أحد على عدد المكونات التي سنُسأل عنها وسيطلب منا ان نعرف أنفسنا وفقها؟ اثنين، ثلاثة، عشرة.. ام مئة؟
لقد مر مفهوم الهوية الجامعة بنقاش في "الأوساط التي تناقش"، وقد رُجّح في البداية مفهوم "الهوية التشاركية"، لكن من الواضح أم كلمة "الجامعة" أجمل! وقد رسا عليها عطاء المفاهيم! بل إن النقاش شمل اللاجئين السوريين لغايات مستقبلية، فهناك توقع (وجهد مبذول) لكي يتشكل مع الوقت مكون سوري، علينا أن نأخذه بالاعتبار. ومرة أخرى، أنا شخص واقعي، فقد نجد انفسنا بعد عشرين أو ثلاثين سنة أمام سؤال يتعلق بالإخوة السوريين، وهذا إنسانيا أمر طبيعي، ولكن علينا أن ننتقل بين الإنساني والسياسي بما لا يخدم اعداءنا.
هل يتفضل مؤسسو "الهوية الجامعة" بتحديد موقع العدو من "هويتهم"؟ السؤال ليس موجها لك ولا لزملائك المحترمين في اللجنة.
لكنه سؤال موجه لأنصار فكرة التفكيك وإعادة التعريف للدولة والمجتمع.