شيطان الحرب الأهلية يطل برأسه في لبنان
د. منذر الحوارات
19-10-2021 11:22 PM
في بلد أُعتبر الخبر الأول في نشرات الأخبار على مدى عقود يرفض أن يغيب ولو لبرهة من الزمن، ففيه تأخذ التواريخ والارقام مكانةً مقدسة، واحتفالاتها توقظ مشاعر متناقضة لدى كل طرف من نشوة النصر الى إذلال الهزيمة، وهي جميعها تصرعلى ان تنكأ جروح الماضي وتبقيها حاضرة أمام كل جيل حتى لا ينسى ابداً، وللمواقع والشوارع قدسيتها وذاكرتها المؤلمة ايضاً، وهي لدى كل طرف مشحونة بذكريات الحرب والنار ونقاط التماس والانتصارات والهزائم، وهي بهذا المعنى أحد مصادر الصراع المستدام بين الاطراف كافة، فكل طرف يحاول ان يغذي هذا التاريخ بالحضور الذي يتفق مع روايته ويدعم مشروعه للسلطة.
فحزب الله القادم من الحرب في سوريا منتصراً يريد معادلةً داخلية تليق بفائض القوة الذي يمتلكه وهو لن يرهن ذلك المستقبل بيد قاضٍ أو أي طرف أياً يكن، لذلك سيرفض وبقوة أي محاولة لوضعه في قفص الاتهام تحدّ من قوته في قيادة الطائفة الشيعية، أو تقلل من هيمنته على البلد، فهو الآن يتمتع بغطاء إقليمي من خلال ايران وسوريا، وغطاء داخلي بواسطة رئيس الجمهورية الذي يدين لحزب الله بموقعه في الرئاسة، وهو يسيطر على الحكومة من خلال ما يعرف بالثلث المعطل، ولن تتشكل أي حكومة في لبنان إلا بموافقته، بالتالي بعد هذا التطويع للسلطات لا يمكن أن يسمح لسلطة القضاء أن تتكون كقوة، هذا اولاً ولا ان يضع نفسه رهينة لها، لذلك سيبذل كل جهد لمنع أي قاضي من وضعه في مكانة تقلل من فرصته، لذلك كانت تلك التظاهرة كرسالة كان على الاطراف ان تستوعبها جيداً وتقبلها كأمر واقع من وجهة نظر الحزب.
في الطرف الآخر المسيحي كان هناك فريق أقصته معادلات حزب الله مع رئيس الجمهورية ميشال عون، وجد في التظاهرة فرصة سانحة ليعود الى المشهد كحامٍ للمسيحيين ويوقظ لديهم مخاوف الفناء المتمثلة بتيار شيعي مدعوم من الخارج مسلح بطريقة الجيوش المؤللة يريد أن يقصيهم عن موقعهم ويحتكر القرار وبالتالي يحولهم الى مواطنين من الدرجة الثانية تحت هيمنة السلاح، لذلك برز الى الساحة من جديد سمير جعجع وهو واحد من الأمراء السابقين للحرب الأهلية اللبنانية، وسيظهر منذ الآن كحامٍ للمسيحيين في مواجهة حزب الله وأنصاره، كل ذلك يعطي الإيحاء بأن الشياطين استيقظت من جديد لكنها لم تنم يوماً، اما لماذا يلوح بها الآن يبدو ان الأمر يتعلق بالانتخابات القادمة، فكل طرف من المتخاصمين يريد ان يحجز لنفسه مكانة قائد هذه الساحة او تلك، في النهاية لبنان ليس محكوما بمعادلته الداخلية فقط، فالأطراف لا تتصرف بمحض إرادتها فقط بل بموجب إيحاءات او اوامر تأتي من الخارج ومن أطراف عديدة اقواها على الأرض الجانب الايراني والذي يرهن لبنان لمصالحه وصراعاته مع الاطراف الاقليمية والدولية، ولأن الإقليم الغارق في حروب أهلية كبيرة لن تحل مشكلته حرب جديدة، بالتالي ما جرى في الطيون ليس سوى محاولة جديدة من الطرف الأقوى في لبنان لجعل كل المؤسسات في لبنان رهن إشارته وطوعاً لأمره، طبعاً ذلك سيواجه بمعارضة قوية ولكنه يبقى الطرف الأقوى وعلى كل الأحوال لن يستطيع ان يبتلع شوكة لبنان بسهولة كما يعتقد البعض، لذلك سيبقى التوتر سيد الموقف قد يتحول في لحظات معينة من تدافع سياسي الى تراشق بالرصاص.
(الرأي)