مدى اختصاص محكمة النقض الفلسطينية بصفتها الإدارية بالنظر في قرارات سيادية
د. ايهاب عمرو
19-10-2021 09:44 AM
لعل القرار الذي أصدرته محكمة النقض الفلسطينية الموقرة (بصفتها الإدارية) مؤخراً بشأن طعن مقدم ضد قرار تأجيل الانتخابات العامة لا يزال يثير التساؤلات المشروعة، وغير المشروعة أحياناً. ولعل المراقب، خاصة القانوني، يلاحظ أن محكمة النقض الموقرة قد اعتبرت نفسها غير مختصة بنظر هكذا قرارات سيادية، والتي لا ينطبق عليها وصف القرارات الإدارية بأي حال من الأحوال.
وقبل تناول تلك الجزئية المهمة، لا بد لنا من أن نقوم بإيضاح التالي بشأن اختصاصات محكمة النقض الموقرة كمحكمة إدارية في ضوء قرار بقانون رقم 41 لسنة 2020 بشأن المحاكم الإدارية.
لا بد من الإشارة ابتداء إلى أن محكمة النقض تختص -كأصل- بنظر قضايا حقوقية وجزائية، وأن الاختصاصات المنوطة بها كمحكمة إدارية بموجب قرار بقانون سالف الذكر إنما هي اختصاصات استثنائية لحين تشكيل المحاكم الإدارية، والاستثناء كما يُعرّفهُ ويَعرِفهُ الفقه القانوني لا حكم له، ولا يُقاس عليه، ولا يُتوسع في تفسيره. من هذا المنطلق، ينعقد الاختصاص لمحكمة النقض الموقرة بنظر المنازعات الإدارية، ما يشمل الدعاوى التأديبية، استثناءً عن القاعدة الأصلية، ويعد ذلك خروجاً عن الأصل لاعتبارات عملية. ومؤدى ذلك أن محكمة النقض تقوم مقام المحكمة الإدارية مؤقتاً، دون أن ينتقص ذلك من اختصاصها الأصيل كمحكمة قانون تقف على قمة الهرم القضائي النظامي الفلسطيني. يؤكد ذلك نص المادة (54) من قرار بقانون المذكور، حيث جاء فيها: "تتولى المحكمة العليا/محكمة النقض مؤقتاً بصفتها محكمة إدارية جميع اختصاصات المحكمة الإدارية".
وفيما يتعلق باختصاصات محكمة النقض كمحكمة إدارية بموجب قرار بقانون سالف الذكر، يمكننا ملاحظة أن المادة 20 منه أشارت إلى تلك الاختصاصات، ومنها الطعون الخاصة بنتائج الانتخابات وفق التشريعات الناظمة لها. تأسيساً على ذلك، فإن الاختصاص المنعقد لمحكمة النقض لا يتعلق بقرارات رئاسية (سيادية) كالقرار الخاص بتأجيل الانتخابات، وإنما يتعلق ذلك الاختصاص بالنظر في الطعون الخاصة بنتائج الانتخابات حسب الفقرة (أ) من المادة المذكورة. ومعنى ذلك أن اختصاص محكمة النقض (بصفتها الإدارية) يعد بمثابة اختصاص لاحق لانعقاد الانتخابات وليس قبل ذلك، وهذا واضح من ظاهر النص المشار إليه آنفاً.
أما بخصوص مفهوم نظرية أعمال السيادة (ذات المنشأ القضائي الفرنسي) فإن قرار تأجيل الانتخابات قد يندرج ضمن هذا المفهوم بمعناه الواسع. وأعمال السيادة يأخذ بها القضاء الإداري في الدول كافة، ما يشمل العربية منها. ومؤدى مفهوم أعمال السيادة تحصين القرارات السيادية الصادرة عن السلطة التنفيذية من الرقابة القضائية (النظامية، والإدارية) لاعتبارات عملية ذات علاقة بسيادة الدولة وإصدارها لقرارات تعمل من خلالها على تحقيق الصالح العام، سواء صدرت في ظروف عادية أو استثنائية. ومن ذلك مثلاً، كما أشار بعض شرّاح القانون، قيام ديوان المظالم (المحكمة الإدارية) في السعودية بإصدار قرارات تُخرج أعمال السيادة من اختصاص ديوان المظالم مع إيراد الأسانيد الشرعية ذات العلاقة، منها مثلاً الحكم الصادر عن ديوان المظالم رقم (14/د/1/3) لسنة 1417 هجرية، والذي جاء منسجماً مع المادة (14) من نظام ديوان المظالم المعدلة حيث جاء فيها: "لا يجوز لمحاكم ديوان المظالم النظر في الدعاوى المتعلقة بأعمال السيادة...".
كذلك، صدرت بعض القرارات عن القضاء الإداري الأردني بشأن أعمال السيادة وتحصينها من الخضوع لرقابة القضاء الإداري.
نخلص إلى القول: إن محكمة النقض الفلسطينية (بصفتها الإدارية) لا تختص كأصل بالنظر في قرارات سيادية كالقرار بشأن تأجيل الانتخابات الفلسطينية كونه يعد من أعمال السيادة المتفق عليها فقهاً وقانوناً وقضاءً. والقول بغير ذلك مردود عليه ويشكل افتئات على مبدأ قانوني وقضائي راسخ منذ زمن طويل، وعدم إدراك لمغزى ذلك المفهوم بمعناه الواسع.