بعد انقطاع دام قروناً بين السماء والأرض، بين الوحي وخليفة الله في الأرض، بعد أن عطشت الأرض واختلط الحق بالباطل كما صوره الشاعر:
أتيت والناس فوضى لا تمّر بهم إلا على صنم قد هام في صنم، فعاهل الروم يطغى في رعيته وعاهل الفرس من كبر أصم عم
بعد أن كانت الرسالات محصورة في أقوام ومحدودة بمكان، اقتضت حكمة الله أن تكون رسالة خاتمة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) رسالة يتولى عبئها رسول يجمع صفات تكون قدوة في أي مجال لتابع أن يراها في قائده إن أردت رسالة اجتماعية ترى فيها بناء الأسرة وحقوق الأبناء والبنات والأزواج، وحتى بعد موتهم حقوق ورثتهم.
وإن اردنا رسالة تربوية ترى فيها المعلم القدوة كيف يعلم ويربي ويصفى القلوب ويشحذ العقول، فأول كلمة نزلت عليه (إقرأ) ليعلمنا أن الحضارة بالعلم والعقل حضارة باسم ربك الذي خلق ليست لإنسان بعينه، إنما للعربي والأعجمي.. رسالة تجعل من العلم والعلماء ورثة للأنبياء.
إذا أردت العسكرية وجدت القائد كيف يربي أتباعه على التضحية والجهاد ليس لإعلاء كلمة بشر، وإنما لإعلاء كلمة الله والحفاظ على الأرض والعرض. وإذا أردت الخلق بكل مضامينه الوفاء والرحمة واللين وجدتها تجسدت أرضاً وسلوكاً وليس كلاماً او نظرية.
يحتفل الأفراد بأعياد ميلادهم، واحتفالهم محصور في شعوبهم وأرضهم. أما احتفالنا بعيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فهو احتفال الأرض مشارقها ومغاربها واحتفال الشعوب زعماء ورعية في كثير من بلدان العالم.
لقد طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون مبلغاً للرسالة (إنما عليك البلاغ) وطلب منه أن يعرض رسالة دونما إكراه (أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين). طلب منه أن تكون رسالة وسطية المنهج (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس). وأن نبتعد عن الغلو (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم).
طلب منا أن لا نعتدي، ولكننا نرد من يعتدي علينا، وأن نقارع الحجة بالحجة وبالتي هي أحسن (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم). طلب منا أن لا ننظر الى الأب الكافر لنقتله وإنما ندعو له بالهداية (إني أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله).
طلب منا أن يكون الإسلام مظلة للأمة جمعاء وأن لا نتفرق «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا»، وطلب منا أن نتكافل ونتراحم ولا نتباغض ولا نتقاطع.
ونقول: يا رسول الله أنظر إلى حالنا اليوم ونحن متفرقون وقد تداعت علينا الأمم وتسلطنا على بعضنا بعضا، الكل يقتل الكل باسم الإسلام والله أكبر.
أنظر إلينا ونحن أصبحنا في ردة الفعل للأمم ولسنا في دائرة الفعل، أنظر الينا وكثير منا يقول هذا هو الإسلام ولا يقول هذا فهمي وربما أكون مخطئاً.. نحن نقرأ في أم الكتاب (اهدنا الصراط المستقيم) فأين نحن من هذا الصراط المستقيم؟
عذراً يا رسول الله.. والله ما من مسلم إلا ويحبك وتذرف عيناه وهو يتغنى بحبك وتحتاج في عيد مولدك أن نجتمع على محبتك وهديك دونما إفراط أو تفريط..
أنت الرمز والجامع لكل هذه الأمة ولا أعتقد أن هناك محبة تضاهي محبتك كما كان الصحابة يحبونك.
أنت لست بحاجة منا أن ندبج الخطب في عيد مولدك.. فيكفي أن نتقدم، ولا أقول نرجع، إلى صفة من صفاتك نتحلى بها لنكون أوفيناك حقك في عيد مولدك..
صلى الله عليك يا علم الهدى يا من نرجو الله أن نراك ونجتمع حولك في الآخرة كما نجتمع اليوم على حبك في الدنيا ونحن مقصرون في حقك.
(الرأي)