الى وقت قريب ظل مصطلح "هاي ذاني" يتردد في كل مجالس العرب ، فقصة الالتفاف للوصول الى الفكرة سمة عربية بامتياز ، حتى ان العرب انتجوا وحدهم ثقافة "المقدمة" والمتن والنهاية ، وليس بالضرورة ان تكون المقدمة جزءا من الخاتمة او المتن او لها علاقة بالموضوع من اساسه ، فقصائد الغزل عادة ما كانت تبدأ بمحاكاة الاطلال وقصائد المديح بكل تصانيفه حتى النبوي منها كانت تبدأ بالغزل.
ما يحدث في واقع المضافات وحواري القرى اصبح سلوكا سياسيا بامتياز واصبح من المفيد الاستعانة ببعض خبراء القرى كي يكونوا مساعدين للسياسيين وتحديدا في تسويق مهارة "هاي ذاني" فقصة المفاوضات غير المباشرة برمتها قصة غرائبية تحديدا بين السلطة الوطنية الفلسطينية واسرائيل ، فكيف ستتفاوض عبر وسيط وانت غارق في الحضن تماما ، تمر على من تفاوضه صباح مساء ويقتلك كثيرا دون مواقيت ، ويعتقل في كل الاوقات ، فلماذا الاصرار على "هاي ذاني" اذا كان الهدف مقبولا اساسا اي التفاوض.
ذاكرة العرب المثقوبة تقول ان التفاوض وجها لوجه لم يفرز تقدما ولم يحقق وعدا واحدا وكذلك التفاوض الجماعي سواء الذي كان بمظلة او ذلك الذي في العراء.
كل اشكال التفاوض لم تثمر الا مزيدا من قضم الاراضي دون تخمة ، وابتلعت اسرائيل المدن والمقدسات دون حاجة الى حبة فوّار واحدة او ملّين.
المسافة التي نقطعها للاشارة الى الاذن البعيدة ، تتطلب ان نلوي عنقنا بايدينا ونضع حاجزا امام اعيننا ، انا اتحدث هنا عن اجراء "فيزيائي" وكذلك يسهل اختلال التوازن في مسألة لي الذراع للامساك بالاذن الاخرى ناهيك عن الجهد المبذول والذي يفوق جهدنا في الامساك بالاذن القريبة.
ثمة امثال عربية تليق كثيرا وتصلح لتوصيف الحالة الراهنة ابسطها "ما تأخذه القرعة تأخذه ام القرون" ونحن طالما بقي الوضع الفلسطيني مشتتا وشوفينيا فصائليا لن نأخذ شيئا من هذا دون اضافة عامل الفرقة العربية والنكايات القطرية وغياب راعْ حقيقي لمفاوضات منتجة. فهل بعد ذلك سنبقى نسأل هاي ذاني؟.
الدستور