النهضة العربية وإنجازات الهاشميين
أ. د. عامر ابوجبلة الجبارات
17-10-2021 06:05 PM
ارتبطت النهضة العربية التي أطلق عليها اسم (الثورة العربية الكبرى) باسم مفجرها وقائدها المغفور له الشريف حسين بن علي الهاشمي القرشي طيب الله ثراه.. إذ يتصل نسبه من جهة والده بالنبي العربي العدناني وهو نسب كريم وخير نسب في تاريخ العرب منذ ظهور قبيلة قريش في مكة والمنحدرة من النبي إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام ..وهو مؤسس المملكة الحجازية الهاشمية 1917-1924م ، وأول من نادى باستقلال العرب عن حكم الأتراك وبإعلان الثورة عليهم في 10 حزيران 1916م .. مطالبا بتأسيس مملكة عربية موحدة في المشرق العربي .
ولد الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه عام 1853م ، في الآستانة عندما كان مع والده في عاصمة الدولة العثمانية ، وكانت وفاته في 3 حزيران 1931م ، وفي اليوم التالي دفنت رفاته الطاهرة في القدس الشريف ، بجوار الحرم الشريف ، باحتفال مهيب جليل مشت فيه آلاف الوفود من جميع الأقطار العربية ، وقيلت في رثائه عشرات القصائد ، ومنها قصيدة للشاعر احمد شوقي أمير الشعراء .
وإذا عدنا إلى التاريخ نجد أنه حتى القرن الثاني عشر الهجري كان حق انتخاب شريف مكة محصوراً في بني بركات الذين منهم ينحدر الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه
وعندما اجتاح العثمانيون بلاد الشام ومصر 922 هجرية 1516 و1517 ميلادية قَدَّم شريف مكة طاعته للسلطان سليم ، فقدَّم كتاب بيعته ودخوله تحت الراية العثمانية ، وكان يوم ذاك الأمير بركات بن أبي نمي ، واتخذ السلطان سليم العثماني لنفسه لقب خادم الحرمين ،وهي السياسة التي درج عليها العثمانيون ، فقلدوا الخلافة العربية واتخذوا كثيرا من شعائرها ، وكانوا يعلنون في كل مناسبة أنهم حماة الإسلام والمسلمين.
ولكن في القرن التاسع عشر بدأت الدولة العثمانية في الضعف ، أمام صعود قوه الغرب، ممثلة بدوله التي ركزت على القوميات والتي أصبحت تفكر في اقتسام ممتلكات ومناطق هامه من جسم الدولة العثمانية ، في ما عرف بالمسألة الشرقية والرجل المريض .
2
وتمكنوا من اختراق مؤسسه الخلافة (السلطنة) العثمانية عندما قامت جمعية الاتحاد والترقي بانقلاب على السلطان العثماني عبد الحميد الثاني عام 1908م ، ثم بدأوا يغيرون في كل شيء.
وفي هذه الأثناء رجع الشريف الحسين بن علي حالاً إلى الحجاز من أجل المحافظة على مكة والكعبة حيث لم يعجبه حال أعضاء هذه الجمعية التي سيطرت على مقاليد السلطة في الآستانة ( إسطنبول ) .
ففي المنشور الذي أذاعه الحسين بن علي طيب الله ثراه على العالم العربي خاصة والإسلامي عامة، وذلك في 25 شعبان 1334 هـ/ 26 حزيران 1916 م يبين فيه أسباب الثورة ( النهضة ) فقال : " كل من له إلمام بالتاريخ يعلم أن أمراء مكة المكرمة هم أول من اعترف بالدولة العلية من حكام المسلمين وأمرائهم ، رغبة منهم في جمع كلمة المسلمين وإحكاماً لعرى جامعتهم... إلى أن نشأت في الدولة جمعية الاتحاد وتوصلت للقبض على إدارتها ، وجميع شؤونها بقوه الثورة ، فحادوا بها عن صراط الدين، ومنهج الشرع القويم ،ومهَّدوا السبل للمروق منه ، واحتقار أئمته... وأسرفوا في أموال الدولة ، وحمّلوها الديون الفاحشة... وأضاعوا عدة ممالك كبيرة من ممالكها ، ومزّقوا شمل الأمة العثمانية بمحاولة جعل شعوبها كلها تركية بالقوة القاهرة ، فأوقعوا بينها وبين العنصر الذي أرادوا تسويده عليها وإرغامها فيه : العداوة والبغضاء وخصُّوا العرب ولغتهم بالاضطهاد ... "
ولذلك فإن النهضة العربية ( الثورة )هي ثورة قومية عربية إسلامية ضد التتريك والظلم والاستبداد .. و في الوقت الذي كانت فيه تطلعات العرب نحو الخلاص من استبداد جمعية الاتحاد والترقي وعلى رأسهم جمال باشا السفاح وغيره ، كانت تُحاك للأمة مصيدة استعمارية عانى منها العرب طيلة النصف الأول من القرن العشرين بل وإلى الآن :
أولاً : اتفاقية سايكس بيكو عام ( 1916م) بين بريطانيا وفرنسا التي قضت بتقسيم بلاد الشام بين فرنسا وبريطانيا.
ثانياً: وعد بلفور عام (1917م ) الذي قضى بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين .
وظلت مبادئ النهضة العربية (الثورة العربية الكبرى) وأحرارها من ذلك الوقت وإلى يومنا هذا عبر مراحل مسيرة الدولة الأردنية ، تسعى وتنادي للوحدة والحرية ، و تصارع من أجل كرامة الأمة وكبريائها.
إننا بهذه المناسبة التاريخية العظيمة ( مئوية تأسيس الدولة الأردنية ) نستذكر فيها حدث من أخطر أحداث التاريخ العربي الحديث فهي أول (نهضة) ثورة عربية في القرن العشرين تدعوا للوحدة العربية التي لاقت تجاوباً عربياً لا حدود له من أجل الحرية والاستقلال والانعتاق ..كما أنها قامت على أسس من الفكر الديمقراطي ، فكان مفجر الثورة العربية المغفور له الحسين بن علي وأنجاله الأمراء لا يخطو احدهم خطوة على طريق الثورة إلا بعد استشارة ممثلي الأمة واستفتائهم بما تيسر له حينئذ من وسائل البحث عن الحقيقة ، و كانوا حريصين على دعم جميع خطوات النهضة العربية ( الثورة ) بتأييد الجماهير العلني لهم في مختلف الأقطار العربية ، التي كان زعماؤها على صلة مستمرة بقائد النهضة العربية (الثورة ).
3
ولقد كانت النهضة العربية ( الثورة) هي أول إعلان عربي يقوم على ممارسة عملية الدفاع عن حقوق الإنسان وحريته في الوطن العربي الكبير لحمايته من الظلم والاستعباد اللذين عاناهما هذا الإنسان في ذلك الليل الطويل من الهيمنة والسيطرة. وكان من نتائجها بداية تأسيس المملكة الحجازية في الحجاز 1917- 1924م بزعامة الشريف الحسين بن علي ( قائد النهضة والثورة ) ، ثم الحكومة الفيصلية في دمشق بزعامة الملك فيصل بن الحسين 1918 – 1920م ،ثم تأسيس المملكة العراقية الهاشمية في العرق 1920 – 1958م ، ثم تأسيس إمارة شرق الأردن 1921م بزعامة الأمير عبدالله بن الحسين ( الملك المؤسس ) طيب الله ثراهم جميعا
ولقد تجسدت مبادئ هذه النهضة (الثورة) على أرض الواقع في أردن العروبة والإسلام كأنموذج ، حي فأصبح الأردن منارة في العلم والفكر والحياة الديمقراطية والتقدم والازدهار في مجالات الحياة كافة ، والاعتناء بالإنسان الذي هو محور فكر النهضة العربية ( الثورة ) وأهدافها في الارتقاء به إلى أقصى درجات ومراتب الإنسانية.
ومن الحقائق الأساسية في تاريخ النهضة العربية (الثورة) أنها كانت ثورة إنقاذ للأمة العربية التي كادت أن تتلاشى من الوجود ، بفعل أساليب محاربتها ، وأولها إهمال اللغة العربية ،التي هي وعاء الفكر العربي ، واضطهاد المستنيرين من مفكري الأمة العربية.
ولذلك فإن النهضة العربية (الثورة) قد حافظت على هوية الأمة ، ولغتها وتراثها، بل إن ثوابتها ، كانت البلسم لمشاعر العرب ، وطموحهم نحو الخلاص من الظلم والاستبداد، وعبرت عن رغبتهم الجامحة في الوحدة والتطلع إلى مستقبل أفضل .
إن مناسبة مئوية تأسيس الدولة الأردنية تعيدنا إلى البدايات والتضحيات ومبادئ النهضة ( الثورة) التي هي رمز النهضة والشهادة والشهداء الذين تساقطوا ويتساقطون كل يوم على الأرض العربية في سبيل القضايا العربية لحماية مستقبل هذه الأمة ووجودها بين الأمم ، لقد حمل شريف مكة الحسين بن علي طيب الله ثراه لواء النهضة العربية ( الثورة) ، وجاهد في سبيل كرامة هذه الأمة وعزها جهاداً موصولاً إلى أن انتقل إلى جوار ربه.. كما أن طلبه أن يدفن بجوار الأقصى كان من الشواهد الحية على أن للهاشميين رسالة ستبقى موصولة للدفاع عن الأقصى والأرض المقدسة، وكل أرض عربية تتعرض للخطر، وتاريخ الدولة الأردنية شاهد على ذلك .
ويؤكد المؤرخون المعاصرون سواء أكانوا عرباً أم أجانب أن النهضة العربية (الثورة) كانت إحدى المفاصل التاريخية المهمة في إيقاظ الهمم والوجدان العربي، وبثت الروح التحررية لدى الشعوب العربية.
ومنذ انطلاقة النهضة العربية (ثوره العرب) في العاشر من حزيران عام 1916م.. ظلت مبادئ هذه النهضة (الثورة) هي الأقوى في حياة الأردن المعاصر فقيادتنا هاشمية، ووريثة لكل تلك المبادئ السامية والجليلة لهذه النهضة (الثورة) وهي على الدوام تعمل على تحقيق هذه المبادئ ، وتلمُّس هموم الأمة ، والعمل على التئام جراحاتها والخروج من كبواتها .
وليس مستغربا أن نرى هذا الواقع في حياتنا كدولة بكل معطيات الفكر السياسي أن يكون وجود فكر النهضة العربية (الثورة) مُتضمناً في منطلقات المواقف الوطنية والقومية في بلدنا وكذلك على صعيد
4
البناء الداخلي من أجل التنمية المحلية والتطوير والتفعيل الدائم للمؤسسات الوطنية، من أجل رفعتها ، والأخذ بأسباب الرقي والتطور لتبقى هذه الأمة حرة كريمة عزيزة بين شعوب العالم وأقطاره.
ولقد تأسست في الأردن منذ عام 1921م قاعدة من قواعد النهضة العربية (الثورة) فكانت ثمرة من ثمارها ، كأساس لانطلاقة المشروع العربي النهضوي ، الذي ضم تحت جناحه أحرار العرب من كل حدب وصوب فأسس الملك المؤسس المغفور له جلالة الملك عبد الله الأول ابن الحسين طيب الله ثراه قلعةً من قلاع العروبة، وجيشاً حمل اسم "الجيش العربي" فعمل جلالة الملك عبدالله الأول المؤسس طيب الله ثراه ،على ترسيخ مبادئ النهضة العربية (الثورة) والعمل بمقتضاها خدمة للأمة ، فتمكن من إخراج الأردن من أهداف وعد بلفور..وإقرار القانون الأساسي للدولة ( الدستور ) والذي على أساسه بدأت في الأردن ومنذ عام 1928م بدايات الحياة الديمقراطية البرلمانية في الأردن عن طريق الانتخاب .. وأسس في الأردن وطناً ، كافح من أجل حريته واستقلاله حتى استقل في الخامس والعشرين من أيار 1946م، وساهم الجيش العربي في دعم الأخوة الأشقاء في فلسطين ، والحفاظ على القدس والضفة الغربية من السقوط في أيدي إسرائيل عام 1948م..ودافع الجيش العربي في حرب عام 1948م عن الأرض والمقدسات دفاعا شهد له بذلك العدو قبل الصديق .. فكان دفاعا بطوليا وأسطورياً في ميادين القتال والمواجهة على طول خط النار والتماس مع الإسرائيليين .
ولما كان الأردن يسعى دائما للوحدة ويدعم العمل العربي المشترك فقد ساهم في نشوء جامعة الدول العربية عام 1945م.. ، كما أقام أول وحدة عربية ناجحة بين قطرين عربيين في القرن العشرين مع الضفة الغربية ( فلسطين )، وذلك في الرابع والعشرين من نيسان 1950م، فتحققت خطوة أخرى على طريق النهضة العربية (الثورة) في الوحدة والحرية.
وفي سبيل دولة عصرية وتحقيقاً لمبادئ النهضة العربية (الثورة) فقد أُنجِز الدستور الأردني المعاصر المتطور في عهد جلاله المغفور له الملك طلال بن عبد الله طيب الله ثراه ، وهو دستور عصري يرتقي بالدولة والمجتمع والفرد إلى مصاف الدول المتقدمة في عصرنا، فكان هذا إنجازاً هاشمياً رفيع المستوى على صعيد دولة القانون والمؤسسات .
ولقد كان جلاله المغفور له الملك الحسين بن طلال رحمه الله خلال 46 عاماً من الحكم يمثل الاستلهام الحقيقي لفكر النهضة العربية (الثورة) و بهذا الفكر الأصيل والمنسجم مع أماني وطموحات العرب أن يبني الأردن على أسس سليمة وعلى كل صعيد ..فكان كما وصفه المؤرخون ( الملك الباني ) الذي بنى الأردن ومؤسساته على أسس نهضوية ثابتة وعصرية مواكبة لتطورات العصر وفي كل المجالات .
لقد استطاعت الدولة الأردنية بقيادتها الهاشمية أن تبنى الإنسان المثقف الإنسان القادر على العطاء ومواجهه التحديات والصعاب ، وأصبح هذا الإنسان كما قال جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه " أغلى ما نملك " حتى أصبح الأردن محط أنظار القريب والبعيد على الرغم من قلة الإمكانات ومحدودية الموارد، مع التأكيد على أن الأردن هو جزء لا يتجزأ من الأمة العربية.
لقد استمر فكر النهضة العربية (الثورة) ورسالتها الخالدة لخلق دولة أردنية هاشمية تقوم على أساس دولة المؤسسات ، ومجتمع التكافل، وتأسيس البنية التحتية لحياة اقتصادية زاهرة من شأنها أن تحمل في طياتها جذوة القوة والنماء والاستمرارية والاستقرار.
5
وفي مقدمه ذلك وتحقيقا لمبادئ النهضة العربية (الثورة) تأصيل الحياة الديمقراطية وإرساء دعائمها في بلادنا من خلال مجلس الأمة والأحزاب وجميع منابر الحوار البناء، الذي يخدم الوطن ويحميه في مسيرة ديمقراطية خيرة ( انطلقت من جديد منذ عام 1989 م )، أساسها النضج والوعي ،ولذلك فقد انطلقت مسيرة بناء المجتمع الأردني المدني بقيادته الهاشمية في لحمة فريدة بين القيادة والشعب ، لإعلاء البنيان وتطوير المجتمع في كافه مجالات متطلبات العصر، والسير قدما جنباً إلى جنب مع التطور العالمي المعاصر ، وبانفتاح إيجابي على مجمل المعارف والعلوم والتكنولوجيا الحديثة ، في ما من شأنه خدمه الإنسان الأردني ، وإعداده للمستقبل وهذا نابع من إيمان القيادة الهاشمية بأمتها ومستقبلها ، وأنها سوف تبقى وتنهض بأبنائها على أعلى درجات التقدم والنهوض .
إن فرسان الثورة العربية الكبرى من الهاشميين في الأردن وعلى مستوى القيادة شكلوا على الدوام القدوة والنموذج في إدارة دفة الحكم ، وتحمل المسؤوليات ، وفي التسامح والحلم في المواقف الإنسانية، وفي نهج الإيثار لا الأثرة الذي اختطوه دائما ، حيث تسلحوا بنور الإيمان وعراقة التاريخ وبسالة الأجداد .
إن القيادة الهاشمية للأردن هي وريثة النهضة العربية (الثورة ) ومبادئها ،وقد جعلت من الأردن القدوة لسائر الأقطار الأخرى في هذه المنطقة ، في إطار العمل على بناء المجتمع الديمقراطي من خلال لغة الحوار الهادئ الهادف وسعة الصدر والانفتاح على كل الأفكار وأصحابها ، والتفاعل معها أخذاً وعطاءً في مجال النصح والمشورة في جميع شؤون الوطن ، خدمة للشعب ، والعمل على رقيه ، والمساهمة في تعزيز وعيه بمسؤولياته وواجباته وحقوقه ، ولذلك فان القيادة الهاشمية وتحقيقا لمبادئ الثورة والنهضة فقد آمنت بان تقدُّم الأردن نحو المعالي والارتقاء لن يكون إلّا تحت مظلة الحرية ، حرية الإرادة والقرار، فتم تعريب قيادة الجيش العربي عام 1956م ، ثم تبعها إنهاء المعاهدة مع بريطانيا 1958م ، وبذلك استكمل الأردنيون مراحل استقلالهم ، ورفعت شأنهم ، ليأخذوا دورهم في بناء الوطن، وتعزيز دوره العربي والدولي والإنساني ، ولقد خطا الأردن خطوة أخرى على طريق الوحدة العربية بالاتحاد مع العراق في عام 1958م ..ثم خاض الأردن معارك 1967م ، ومعركة الكرامة عام 1968م ، والمشاركة في حرب تشرين 1973م على الأرض السورية ضد إسرائيل دفاعا عن الأرض العربية والحفاظ على مكتسباتها..فقدم الشهداء الأبرار الذين ضحوا بدمائهم الزكية وضربوا أروع صور البطولة والبسالة في مواجهة المعتدي .
ولقد كانت السياسة الأردنية خلال العقود الماضية في ظل القيادة الهاشمية سياسة متوازنة أساسها العقلانية، والوسطية ، والموضوعية ، دون التفريط بأي حق عربي أو أردني ، فكانت سياسة الأردن من أهم السياسات التي أدت إلى بوادر الانفراج في منطقتنا بعامة ، واحترام دول العالم قاطبة ، واستماع أعظم قادتها لنصح القيادة الأردنية وإرشادها ، التي نذرت نفسها لخدمة الشعب ، ورفعة الوطن ، والدفاع عن الحقوق العربية .
ودافعت القيادة الهاشمية عن السلام العادل والشامل والدائم في منطقتنا دفاعا قويا فهو الهدف والمطلب الذي يعطي الحقوق لأصحابها و يضمن استقرار المنطقة و سعادة أجيالها المقبلة ، فأكدت
6
القيادة الهاشمية أنّها مع السلام منهجاً وإستراتيجية لأنه هدف الأمم الواعية ، وطريقها نحو البناء والإعمار ، كما أن الأردن وبقيادته الهاشمية لم يتوان عن دعم ألأشقاء العرب ، والإسراع لنجدتهم ، وحفظ مصالحهم ، والدفاع عن حقوقهم .
إن الحديث عن مناسبة مئوية تأسيس الدولة الأردنية هو حديث في الأساس عن جيش النهضة العربية ( الثورة)، الذي انتسب إليه العرب من كل مكان ، للدفاع عن حرية هذه الأمة ومجدها منذ انطلاقة النهضة العربية (الثورة )، وتوجه جيوشها إلى بلاد الشام لتحرير العرب، وإنشاء دولة العرب الموحدة .
وعلى هذا الأساس تأسس في الأردن "الجيش العربي"، الذي يشكل سياج هذا الوطن ،وهو الجيش الذي تشهد له كل المواقع بالتضحية والبسالة والفداء ، إن الحديث عن الجيش العربي إنما هو حديث عن انجازات نهضة قومية ، وفكر عربي أصيل ، نفخر نحن هنا في الأردن أن نقدمه مثالاً من أمثلة على ما يمكن أن تُحدثه أصالة الفكر في بناء الدولة الحديثة ، التي يجري تأسيسها على قواعد من الخير والتقوى وسمو الرسالة .
نذكر ذلك كله بهذه المناسبة الغالية علينا جميعا ، وقد حقق جيشنا العربي قفزات نوعية وخطوات بعيده المدى في التحديث الحضاري ، والتجهيزات المتفوقة ، نقول ذلك ونحن نشاهد جيشنا العربي متسلحا بالانتماء السامي للقيادة الهاشمية الحكيمة ، ولعروبته ، وأصالة فكره ، وسمو غاياته.
ومما يبعث على الفخر والاعتزاز بجيشنا العربي الذي هو قرة عين القيادة والشعب وكل عربيّ أننا نشاهد منتسبي هذا الجيش وهم يحمون السلام العالمي في البلدان التي تفتقر إليه، لأن فكرة النهضة العربية هو الفكر الإنساني ، الذي يحافظ على كرامة الإنسان وحريته وبقائه وسلامته .
لقد تسلم جلاله الملك عبد الله الثاني بن الحسين عام 1999 م، الراية نفسها التي دافع عنها الهاشميون جيلا بعد جيل راية الحرية ، والديمقراطية ، والحق ، والعدل ، وحقوق الإنسان في عصر تلاطمت فيه التيارات السياسية ، ولا مجال فيه إلّا للأقوياء ، ومع ذلك فقد ظل الأردن بقيادته الهاشمية ثابتا على عهده لأحرار العرب ولأمته ، يدافع عن قضاياها ، ويعمل على الدوام لتحقيق التفاهم المشترك .. وها هو جلاله الملك عبد الله الثاني بن الحسين يمضي شجاعا قويا بإيمانه بأمته في حاضرها ومستقبلها ، لتأخذ مكانتها اللائقة بين الأمم ، مدافعا عن همومها ومشاكلها في ما من شأنه تدعيم وحدة الأمة ، وشرح قضاياها لمراكز القوى الدولية ، لدعم الأشقاء الفلسطينيين ودعم حقوقهم المشروعة والتخفيف من معاناتهم ، وخدمة السلام ، والحقوق العربية المشروعة ، من أجل استقرار المنطقة ، وليعيش سكانها بأمان وكرامه ،والحفاظ على إرث الهاشميين في الدفاع عن المقدسات والوصاية عليها، بوعي وحكمة وصلابة.
لقد كان العهد الجديد في الأردن بقيادة جلاله الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله يمثل مرحلة جديدة ، وحلقة متصلة من حلقات النهضة العربية (الثورة ) ، بمبادئها وقيمها التاريخية ، واستشرافها للمستقبل العربي ، وتحدياته .. فالوحدة ، والاستقلال ، وتنميه الفرد، وخلق جيل واع بمسؤولياته في جو من الحرية هي من أهداف هذه النهضة التي قادها ويقودها الهاشميون بفكر ثاقب ، ومنهج قويم، وثبات على المبدأ مع وضوح الصورة والهدف ، وعزيمةٍ لا تلين .
7
لقد التف الشعب الأردني حول قيادته الهاشمية بكافة أطيافه السياسية ،وفئاته الاجتماعية وجيشه العربي ، في تماسك ووحدة أسطورية لا مثيل لها ، مؤكدة على الدوام رسوخ مبادئ النهضة العربية ( الثورة ) في هذا الوطن العربي النموذج .
لقد عزز جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين موقع الأردن سياسيا على كافه الصُّعد المحلية ، والعربية ، والدولية ، فمن سياسة الأردن الثابتة رفض مبدأ احتلال الأرض بالقوة ، والإيمان بالحوار منهجا وطريقة تعامل ، وبالدفاع عن الحقوق العربية إرثا ومستقبلا، وهذه روح النهضة العربية ( الثورة ) التي تسري في دماء القيادة والشعب ، وقصة وفاء أسطوري بينهما ، كل ذلك بوعي الهاشميين ، وإدراكهم لواجبهم المقدس ،ودورهم التاريخي نحو أمتهم ، وحماية أمنها ، وتحقيق وحدتها وتضامنها ،
وجمع كلمتها ، وهذه رسالتهم النهضوية العربية ، التي رفعوا رايتها خفاقة بالعز والكرامة والتقوى والتسامح ، في مسيرة خير من البذل والعطاء والتفاني الذي لا يعرف الحدود ..
ولقد كان للأوراق النقاشية التي طرحها جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين تباعاً والتي تستمد روحها من فحوى ومباديء النهضة العربية والإرث الهاشمي فيما من شأنه النهوض بالدولة الأردنية في شتى مناحي الحياة السياسية والديمقراطية والاقتصادية والتعليمية ،وتوجيه الحكومات لرسم سياساتها على هذه الأسس الموضوعية والتي تأخذ بالاعتبار احتياجات المواطنين وتطوير كافة القطاعات في مفاصل الدولة الأردنية .. فضلا عن التوازن في العلاقات الإقليمية والدولية والابتعاد عن سياسة المحاور ..
إن تعلق أبناء الشعب الأردني بقيادته الهاشمية هو تعلق غير عادي أنتجته قصة حياة ، ومسيرة كفاح ، محتواها العمل الجاد المخلص ، والمنتمي ، والقائم على الود والمحبة والولاء ، فهي علاقة متميزة بين قيادة هاشمية كريمة وشعب عربي أصيل .
إننا وبهذه المناسبة العظيمة ( مئوية تأسيس الدولة الأردنية ) نستذكر وبكل فخر، تضحيات الهاشميين خلال مائة عام ، في بناء الأردن القوي والوسطي والمؤثر، على كل المستويات العربية والإقليمية والدولية ، وها هو جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين حفظه الله ورعاه يقود مسيرة الدولة الأردنية بإرثه الهاشمي النهضوي المستنير نحو مستقبل أكثر استقراراً وتماسكاً وتطوراً في المجالات كافة .
أ.د. عامر أبوجبلة / قسم التاريخ / كلية العلوم الاجتماعية / جامعة مؤتة