صحيح انها بضع ساعات موزعة على جلسات مكتظة بالمعلومات والرسائل الايجابية, لكنها تحمل رسالة بالغة الدلالة بأن مجلس الاعيان تصدى لملئ الفراغ الناجم عن غياب غرفة التشريع الاولى عن ممارسة مهامها, في استقراء القادم ومحاولة استجرار الحلول لازمات داهمتنا او على وشك المداهمة دون استعداد امثل وتحضير واجب، للخروج من مرحلة انتظار الازمة والتعامل معها, بدل الاستجابة لها والاستفادة منها. هذا ملخص سريع لورشة عمل عقدتها تسع لجان في مجلس الاعيان بالتشارك مع مؤسسة فريدريش ايبرت بعنوان اقتصاديات تغير المناخ – فرصة للنمو الاقتصادي وخلق فرص عمل في مختلف القطاعات من خلال اجراءات الاستجابة لتغير المناخ, تحت رعاية رئيس مجلس الاعيان فيصل الفايز الذي قدم قراءة سريعة ومفيدة في كلمته المركزة, طالبا التعاون بين القطاعات والتخلص من البروقراطية الرسمية والاستعداد للفرص بدل الجلوس في الظلام.
ملفت حجم تفاعل الاعيان مع القضايا الجديدة, فتغير المناخ والبيئة ليست على جدول اعمالنا كمجتمع اردني بكل مؤسساته وتلاوينه الفكرية والسياسية, لكن الاعيان الحضور اسهموا في اثراء الفكرة ومضامينها, مع خبراء تناوبوا على كشف عوالم جديدة وفرص متاحة لكل راغب بالاستفادة, لا اود الخوض في الاسماء, لكن ما فدمه بشار زيتون ودريد محاسنة كان ملفتا ويستحق التوقف, وكذلك عمار ضريس, ولو قُيّض للمشاركين ان يتسع البرناج الى مائدة حوار بين الخبراء والوزراء او الامناء العامين الذين حضروا الورشة, لخرجنا بخلاصات اجرائية مهمة. فأظن ان هذا الجهد وهذه الافكار, كانت تحتاج الى حوار عميق بعد كل جلسة لتظهير التوافقات وتقليص الفوارق، فالجميع يشكو من سوء التنسيق البيني, ان كان بين المؤسسات الرسمية او بين الخبراء والمسؤولين واظنها كانت فرصة سانحة للتجسير على الاقل, واظن ان الاعيان ولجانه قادرين على القيام بهذا الدور ليس فقط لنضج الاعيان وامتلاكهم للخبرات اللازمة، بل بحكم انهم لا يحتاجون الى غرائزية الخطاب او شعبويات على غرار لزوم ما لا يلزم, واظن ذواتا مثل صالح ارشيدات ومازن الساكت ومفلح الرحيمي وعيسى مراد ومصطفى الحمارنة, قد اضفوا لونا على الورشة وكذلك مداخلات وزيري النقل والطاقة وامين عام البيئة.
ما يبعث على القلق, ان لدينا خبراء ناضجون وطبعا خبراء على درجة أقل ولدينا وزراء يملكون اجابات ولديهم استعداد للسير الى الامام, ومع ذلك ما زالت الحالة العامة قابعة تحت ظلال الشك والاحباط, لأن المخرج النهائي لا يظهر للناس, ولأن المسؤول الرسمي قابع تحت حراب الاتهام, وايضا لا يملك ادوات ايصال رسالته الى الناس لمنحهم مزيد من الامل, فكل يحتفظ بمعلوماته وكأنها سر نووي. ما كشفته الورشة بوضوح, اننا امام اشكاليات ثلاث, اولها ضعف التنسيق بين الاجهزة الحكومية, وثانيهما غياب كثير من التسيق بين السلطات, وثالثهما غياب مفردات التواصل مع الجمهور الاردني, اما لقلة المعرفة واما لضعف ادوات الاتصال والتواصل, فالجمهور لم يعتد ان يسمع من المسؤول عن الملف, فهو بات لا يقبل الا بالملك او رئيس الوزراء وهذا خلل يجب ان نبدأ بمعالجته, فليس المطلوب من رئيس الورزاء ان يتحدث بدلا عن وزير الطاقة او النقل او المياه او باقي مجلس الوزراء. لدينا الكثير من الموارد البشرية, ولدينا الكثير من الفرص, ويلزمنا ترتيب بيتنا الداخلي وتجاوز امراض الشك والريبة ومضغ اللحم نيئا, حتى نستفيد من القادم الذي بدات ملامحه تحمل املا, وعلينا ان نشكر من يبادر ويجتهد, لا ان نعاقبه, شكرا مجلس الاعيان وشكرا فريدريش ايبرت, وننتظر المزيد.
(الأنباط)