كنا ونحن اطفال مغرومون بـ» المصارعة». وكنا نذهب الى « مقهى الصّوص» او مقهى «كفر عانة» بمدينة الرصيفة من اجل مشاهدة برنامج» المصارعة» الذي كان يقدمه المرحوم رافع شاهين. وكنا ندفع لصاحب المقهى مبلغا زهيدا لا يتجاوز القرش الواحد،طبعا من دون « مشاريب» لا شاي واكيد ولا قهوة التي لم نعرف طعمها الا بعد ان تخرجنا من الجامعة.فكان الاهل يقولون « لا تشرب قهوة عشان ما يطلعلك شوارب».
وكان اكثر ما يعجبنا في تلك الايام « الاخوين زكَش»: بيتر «المقنّع» وشقيقه «تيبر». وكانا يتميزان بضربة الـ « السّوِنغ». كذلك المصارع «بيج دادي» والمصارع» ستيف لوجن» وغيرهم مما لا يحضرني ذكْرهم.
وكنّا ننتظر بلهفة تعليق المذيع رافع شاهين عندما كان يبدأ برنامجه قائلا» والآن.. الى حَلْبَة المصارعة»!
كذلك كنا نعيش « الجوّ» ونتأثّر بما يحدث على « الحلَبة» وخاصة عندما «يثبّت» احدهما الآخر ويبدأ «الحَكَم» بالعدّ: « ونّ « ويشدد على حرف « النون».
كانت تبدأ المصارعة بمصافحة طرفي النِّزال. بعدها تكون الضربات المُؤلمة والحمل والالقاء خارج الحلبة واستخدام العنف وخاصة وان المصارعين يمتلكون «عضلات» الله لا يوقّع حدا بين اديهم.
كانت تنزف الدماء من العيون والشفاه ونحنُ نشجّع احدهم على حساب الآخر .
لكن الأغرب من ذلك، والذي اتذكّره هذه الأيام هو انتهاء» المعركة الدموية» بالمصافحة والعناق وكأنّ «ضرْبا» لم يكن !
الان وهذه الايام،تبدأ العلاقات بين الناس بالمصافحة على طريقة « المصارعين»،ثمّ تكون « المباطحة» و» الحروب» و» الطوشات» و التي تصل احيانا الى الضرب من تحت الحزام ومن فوق الحزام واحيانا بـ» الاحذية الاتوماتيكيّة».
ومن يرى معارك وخصومات الناس يظن ان « القيامة قامت». وبعدها تجدهم أنفسهم يتصافون ويتصافحون وكأنّ « حربا» لم تكن.
حياتنا اصبحت.. حلبة مصارعة على نطاق واسع. والكل يكتفي بـ» المشاهَدة».
نحنُ لا نحب أن نكون جزءا من « الحلّ»، بل فقط... « جمهورا متفرّجا».