يتميز موروثنا الإجتماعي الأردني الثري, بعادات وممارسات إجتماعية تنطوي على أبعاد "سياسية" بشكل أو بآخر, وهي ممارسات كانت مقبولة ومعتادة في زمن مضى, ولم تعد كذلك اليوم, لا بل صارت مرفوضة.
من تلك العادات والممارسات , أن العشيرة أو الحمولة أو العائلة أو الجمع , كانوا يتبعون عرفا محددا عند إقامة الولائم في المناسبات العامة. فعندما يكون الجمع كبيرا, ينقسم إلى طورتين أو ثلاث ربما من حيث أولوية التقدم إلى المناسف لتناول الطعام.
الطورة الأولى وهي الأهم طبعا, يتقدم وجهاء القوم وكبار السن, ويبقى الأشخاص العاديون أي الأقل أهمية إجتماعية وصغار السن, بإنتظار أن يفرغ رجال الطورة الأولى من تناول الطعام, لتتاح لهم الفرصة للتحلق حول المناسف وتناول ما تبقى فيها من طعام. وقد يكون الجمع كثيرا ويتطلب الأمر طورة ثالثة, وهذه للناس الأدنى أهمية إجتماعية, وقد تشمل بعض "المعازيب" أصحاب الدعوة أو من يطلق عليهم إسم "حمولة المعازيب", ومعهم الورعان أي الصبيان صغار السن.
تبعا لهذا التصنيف, فإن رجال "الطورة" الأولى يحظون بأول الطعام حيث اللحم الوفير, أما الطورة الثانية فنصيبهم أقل جودة وكما معا, وبالتالي فأهل الطورة الثالثة, هم الأقل حظا بالتأكيد, فقد يجدون بقايا لحم وقد لا يجدون, لكنهم بذلك راضون قانعون.
ومن الممارسات التي تنم عن كرم وشهامة بعض رجال الطورة الأولى, أن بعضهم يبادر إلى تمرير قطعة من اللحم إلى رجل آخر يجلس خلفه من فئة الطورة الثانية أو الثالثة, وبعضهم يعمد إلى دس قطعة لحم تحت الخبز كي يجد من يأتي بعده شيئا يأكله. ولهذا كان المنسف الواحد يتناوب على تناوله عدد كبير, ولكن بتفاوت في نصيب الطورات, فالأولى لرجالها النصيب الأفضل, والثانية لرجال الدرجة الثانية من حيث الأهمية, أما الثالثة فللرجال الأدنى أهمية ومعهم الصبيان الصغار الذين تنحصر مهمتهم في سكب الماء على أيدي كبار القوم من الطورة الأولى والثانية لغسلها عن أثر الدسم, ثم صب القهوة السادة لهم بعد الوليمة لغايات الكيف وسهولة الهضم.
ترى هل يمكن إسقاط ذلك المروث الإجتماعي ذي البعد السياسي على أحوالنا اليوم, وطبعا مع فارق التشبيه بين رجال الطورات في زمان الأمس وزماننا اليوم؟ . الله أعلم , وهو جل جلاله من وراء قصدي.