يهتم الشباب الاردني بالرياضة العالمية الى حد الولع بها, فلماذا لا يهتمون بالانتخابات البرلمانية بالقدر نفسه?
من حق الشباب ان يهتموا (بالمونديال) وان يبادروا الى رفع اعلام دول مثل البرازيل والارجنتين والمانيا.. الخ فوق شرفات منازلهم او على سياراتهم. فهذا الحماس لمباريات كأس العالم لا يقتصر على الاردنيين, انما شائع في الكرة الارضية بأسرها.
غير ان شباب العالم في الانظمة الديمقراطية في الغرب والشرق, في الشمال والجنوب لهم دورهم المشهود في الانتخابات النيابية التي تجري في بلادهم. وربما بالحماس نفسه الذي يظهرونه تجاه كرة القدم. مما يجعل (التوازن) في الاهتمامات قائما, بين ما هو شأن وطني خالص وبين ما هو ذو طابع عالمي. مثل هذا التوازن غير موجود عند الشباب الاردني, ولا هو ملاحظ او ملموس عند الشباب العربي كلما تعلق الأمر بانتخابات عامة.
لا اهدف في هذه المقالة الى اقامة علاقة قسرية بين الرياضة وبين المجتمع والسياسة. فهذا شيء وذلك شيء آخر. لكنني اردت ان ابحث عن اجابة لاسئلة سمعتها كثيرا منذ بدء مباريات (المونديال). مثل: لماذا لم ينجح العرب في الوصول الى هذه المنافسة العالمية الرائعة بفرق تجلب الاعتزاز وتشد الانظار, ليس عند المشاهدين العرب لكن بين شعوب العالم.
نقرأ ونسمع عن مليارات تدفع في الدول العربية من اجل كرة القدم على مدى اكثر من عقدين مع ذلك نرى فريق دولة فقيرة مثل غانا يقدم مباراة كبرى امام فرق دول اقوى واغنى, وفرق لدول لا يزيد سكانها على بضعة ملايين مثل الاورغواي تدهش العالم بما تقدم من اداء رياضي. اما الفريقان البرازيلي والارجنتيني فقد ادخلا علمي بلديهما الى بيوت العالم وبقوة اكبر مما تفعل السياسة ورموزها.
اجتهد واقول ان للحريات المجتمعية دوراً كبيراً في الابداعات الانسانية, مثلما ان لها دورا في تحقيق وانجاز الحريات السياسية.
فالمجتمعات العربية لا تمارس الرياضة كما تفعل الشعوب الاخرى في الاحياء وحتى في الملاعب والمتنزهات, بل ان بعض هذه المجتمعات يرى (اللعب عيباً) ومجتمعات اخرى كانت تدخل في جدال فيما اذا كان لبس الرجل (الشورت) حراما أم حلالا, وفيما يلعب اطفال دول امريكا اللاتينية كرة القدم ويُشاهد شباب دول اوروبية يمارسون اللعبة وامثالها حتى في فصل الشتاء, فان معارك قد تحدث بين السكان اذا حدث وان لعب الاطفال في الساحات اثناء اجازاتهم المدرسية.
الحريات المجتمعية تختلف من شعب الى آخر ومن حضارة الى اخرى حسب العادات والتقاليد ومنهج التفكير. فكلما كان الانفتاح على العقل واسعاً كان الابداع والنشاط المجتمعي كبيراً, واكتساب المجتمعات للحريات المدنية هو الاساس للتقدم في مجال الحريات العامة التي تعتبرها حقا من حقوقها وترفض التنازل عنها تحت أي ظرف كجزء من اسلوب حياتها.
في المحصلة, الاجابة قد تكون بان العلاقة بين طبيعة المجتمع من جهة وبين الرياضة من جهة اخرى ليست قسرية ابدا. فحيثما تكون هناك حريات اجتماعية وسياسية, يكون من البدهي وجود ابداع رياضي, وثقافي, وعلمي عند الشعوب سواء كانت صغيرة في عدد سكانها ام كبيرة, فقيرة ام غنية, فالرياضة كما كتب احد الرياضيين "هي لعبة العقول".
taher.odwan@alarabalyawm.net
العرب اليوم