لماذا الحملة ضد كرامة المرأة .. !
د. ذوقان عبيدات
14-10-2021 05:08 PM
ما إن أصدرت وزارة التربية والتعليم برنامجها التدريبي للمعلمين والمعلمات حتى تداعى معارضو مهرجان جرش والفن والبهجة إلى إصدار بيانات تحذير للمجتمع من خطر يهدد قيمنا وأخلاقنا، كما أصدرت أحزاب كبرى تحذيرات مماثلة، وامتلأ الفضاء الإلكتروني بتعليقات مماثلة استنكارًا، وانبرى كتاب للهجوم على الجندر والقضاء عليه حيّا!! أو القبض عليه على الأقل!
سأحاول في هذه المقالة أن أبين مشروع وزارة التربية والتعليم، والمعارضات التي واجهته، ليتمكن القارئ من فهم ما جرى استنادًا إلى أحكام موضوعية! طبعًا ليست محايدة. فكل إنسان من حقه أن ينحاز إلى ما يراه صحيحًا!
(1)
الجندر في الفكر المعارض
الفكر المعارض هو الفكر التقليدي المحافظ المستند إلى مرجعية دينية وأخلاقية واجتماعية. فمن وجهة نظر هذا الفكر أن الجندر مخالف لديننا وشريعتنا وأخلاقنا!
ففي بيان حزب وطني كبير، وردت النصوص الآتية:
1. الرغبة في الحفاظ على الأردن منبعًا يستند إلى جذور ثقافية وخصوصية حضارية، وشريعة أرست العدالة بين الذكر والأنثى!
وهذا لا يختلف عليه معظم الناس، فكلنا نريد أردننا نبعًا وله جذور، لكن ما الذي يمنع تنويع هذه الجذور. ففي ثقافتنا ملكات ومقاتلات وشاعرات وفاعلات إلى جانب فاسدين وفاشلين...إلخ.
أما العدالة بين الذكر والأنثى التي أرستها الشريعة ففي الهدف الأساس لبرنامج النوع الاجتماعي، الذي يهدف إلى العدالة تمهيدًا للوصول إلى المساواة. وسأبين لاحقًا معنى العدالة والمساواة في برنامج وزارة التربية والتعليم. حيث أعلن هذا البرنامج أنه يحترم الفروق البيولوجية، وبالتأكيد لا يسعى إلى تغييرها! بل ليس له علاقة بها.
2. حذر ذلك الحزب من ضرورة استيراد القيم، بل طالب بتوظيف القيم والمفاهيم لتراعي خصوصيتنا.
وبرأيي هذا ما فعلته الدولة ووزارة التربية فالدولة الأردنية تحفظت على كل البنود المخالفة للشريعة وأن برنامج الوزارة ملتزم جدًا بتحفظات الدولة بل لا يستطيع تجاوزها لو حاول أحد المتطرفين ذلك.
فالمفاهيم إذن وطنية، ولا بأس من أن نفكر عالميا ونعمل محليا.
3. لجأ عدد كبير من المعلمين إلى ذلك الحزب لحفزه على مقاومة برنامج وزارة التربية وهنا أوضح ما يأتي:
- لماذا لجأ المعلمون إلى حزب واحد بينما لدينا عشرات الأحزاب؟ فما الذي أزعج معلمينا؟
4. يقول الحزب إن برنامج الجندرة سيؤثر على شكل الأسرة ومعناها وتركيبها.
ومن يطلع على البرنامج يرى الوزارة لا علاقة له بالشذوذ وأشكال الأسرة، لأنه يتعلق بتحسين حياة الأسرة الأردنية ورفع درجة إنصاف المرأة، وبناء شخصيتها المستقلة، وإذا وجد أحد أن برنامج الوزارة شجع الشذوذ، فإننا جميعًا سنقف ضد هذا الشذوذ. فوزارة التربية لن تشجع الشذوذ لسبب بسيط وهو أنها محكومة بفلسفة تربوية صديقة للأسرة الحالية.
5. يقول الحزب إن الدين يقول: وليس الذكر كالأنثى! وهذا صحيح جدًا. فهناك فروق بيولوجية – لا خلاف عليها – تعترف بها وزارة التربية وبرامجها. ولكن ما تهدف إليه الوزارة ليس إلغاء الفروق، بل معالجة ما علق بهذه الفروق من ثقافات تميز بين حقوق المرأة والرجل.
فكما يقول الحزب إن الاختلاف ليس تفضيلًا للرجل – مع أنهم يفضلون – فإنني أقول: إن المساواة في الحقوق لا تلغي الفروق البيولوجية إطلاقًا!!
وفي مقالة نشرت أن الجندر تم تصميمه لتخريب الدين والأخلاق.
وبرأيي أن معيار الدولة والمجتمع هو القانون وسيادة القانون، وفي ذهني لا وجود لقوانين أردنية تسعى لتخريب الدين والأخلاق. وبذلك يكون ما جاء في المقالة تحديا للقانون!!
كما تقول المقالة: إن الدول التي طرحت حقوق المرأة غير ناجحة في الحفاظ على حقوق المرأة! قد يكون هذا صحيحًا وقد لا يكون، ولكن هناك ما يدل على أن المرأة قطعت شوطًا بعيدًا في الحصول على حقوقها في تلك الدول. كما أن المرأة الغربية نالت حقوقًا أكثر، مع اعترافي أن المجتمعات الغربية أو بعض الإعلام الغربي قد (سَلَّعَ) المرأة في بعض الإعلانات وهي قضايا محدودة جدًا إذا ما قيست بالحقوق المنجزة.
وما تقوله المقالة عن تقبل الشواذ ومنحهم حقوقًا مدنية هو كلام غير واقعي فسيداو ليس كلها موافق عليها أردنيا!! وما فيها لا ينعكس كله على برامج الوزارة.
ونشطت دراسات أعيد تسويقها حول المواثيق الدولية وأثرها في هدم الأسرة، أبرزت هذه الدراسات أن هدف هذه المواثيق:
- صرف الشباب عن الزواج من خلال منع الزواج المبكر.
- إدماج المراهقات الحوامل في التعليم النظامي.
- إباحة الدعارة وتشريعها.
- إباحة الشذوذ الجنسي.
- إعطاء الشواذ حقوقهم.
- استقواء المرأة على زوجها.
- دفع المرأة للعمل خارج المنزل.
- تأسيس مشروعات اقتصادية مستقلة للمرأة.
وتصل هذه السلبيات إلى: إحداث تغيير جذري في الأدوار الفطرية لكل من الرجل والمرأة ومطالبتها بالمساواة، وتوظيف مصطلحات عدم التمييز والعنف الأسري، والتحرش الجنسي..إلخ.
كمار ركزوا على استقواء الطفل وتمرده على والديه.
طبعًا، لست بصدد الرد على هذه السلوكات، لأن من الواضح أنهم ينتقدون إعطاء المرأة حقوقها بشكل عام كما ينقدون حقوق المرأة وحقوق الطفل!
إن كل ما يقال عن هدم الأسرة والشواذ وتشريع الدعارة أمر غير وارد إطلاقًا في برنامج النوع الاجتماعي. وإن الحديث عنه في هذا الصدد هو إمعان في التضليل، فما يريده برنامج النوع الاجتماعي هو إعطاء المرأة مساحة عددية مساوية لوجود الرجل، أو مساواة الذكور بالإناث عدديا، وهذا يعكس وضعًا طبيعيّا في التوزيع السكاني لا يجوز القفز عنه.
كما أن تنميط الأدوار الثقافية الاجتماعية هو ليس تابعًا للفروق البيولوجية، فهذه الفروق مقدّرة جدًا ولا يريد أحد القفز عنها، لكن أليس من حق المرأة أن تمارس أدوارًا تستطيع القيام بها ذهنيا وجسميا وعاطفيا؟
ولا أدري ما الذي يضر أحدًا إذا أدارت المرأة مشروعًا اقتصاديا مستقلًا؟ ومن الخاسر إذا تساوت المرأة بالرجل في المجالات الاجتماعية والأدوار الإنتاجية والإقتصادية؟
(2)
برنامج الوزارة
تشير وثائق وزارة التربية أن مشروع الجندر هو تجسيد لالتزام الحكومة بما وقعته من مواثيق دولية! إذن المشروع قانوني وليس خارجًا عن أي شيء: لا أخلاقًا ولا قيمًا! كما أنه تجسيد لالتزامات الأردن في تحقيق الهدفين الرابع والخامس من أهداف التنمية المستدامة 2030، وهو أيضًا تجسيد لخطط الوزارة الاستراتيجية للتعليم 2018 -–2022!!. على ضوء ذلك ما الجديد الذي أثار الحملة على مشروع قانوني مخطط له منذ 2018 وقد يشارف على الانتهاء خلال شهور، علمًا بأن هناك قسمًا في الوزارة للنوع الاجتماعي منذ 2010؟ وبعيدًا عن الأساس القانوني، فقد أوضحت مقدمة مشروع الوزارة أن المساواة بين الجنسين هو تعليم مرتكز حول المتعلم والمتعلمة، يأخذ في الحسبان الاحتياجات الخاصة للبنين والبنات.
نتاجات مشروع الوزارة:
تؤكد وثيقة الوزارة أن نتاجات المشروع هو التفريق بين موضوع الجنس كموضوع بيولوجي، وموضوع النوع الاجتماعي كموضوع ثقافي مجتمعي، والابتعاد عن السلوكات النمطية التي أوجدتها الثقافة، فبرنامج الوزارة يقدم أدوارًا للمرأة: إيجابية وإنتاجية ومجتمعية وسياسية، ومحاربة العنف القائم على النوع الاجتماعي بأشكاله: التسلط والاجبار والعدوان اللفظي والعدوان الجسدي، والاحتقار والكراهية والهجر وتقليل المكانة! وهذه قيم إنسانية لا يجوز أن يتعرض لها أحد.
ومرة أخرى: المساواة تعني تمتع الرجال والنساء بالوضع نفسه، وإتاحة الفرص المتكافئة للجميع لممارسة حقوقهم الإنسانية وتحقيق إمكاناتهم للمساهمة في الحياة بأنشطتها كافة.
وتعرف العدالة بأنها مراعاة للفروق وعدم جعلها أساسًا في إعاقة المرأة، واتخاذ الإجراءات التي من شأنها تحقيق ظروف إنسانية متشابهة وخاصة في الحقوق.
إن إدماج النوع الاجتماعي في المناهج – وبالمناسبة لا علاقة لي بمشروع وزارة التربية – أعتبره ضرورة أخلاقية وإنسانية.
فلا مصلحة للمرأة أو المجتمع أن تكون المرأة منقوضة الحقوق!
وختامًا إن الحملة على النوع الاجتماعي ليست حملة قانونية بل حملة تقودها فئات معروفة بقضايا عديدة ليس أقلها مهرجانات الفن! فليس في مشروع الوزارة ما يخالف قانونًا، ومن وجهة كثيرين ليس فيه ما يخالف ثقافيّا.
فالمجتمعات العربية: خلقًا ودينًا، تناصر كرامة المرأة.