عمّان-الدوحة .. صندوق الاخوة السيادي الذي لا يُخترق
إخلاص القاضي
14-10-2021 02:36 PM
تنعش مروحة اتصالات جلالة الملك عبدالله الثاني العربية منها والخليجية الآمال بتحريك عجلة الاقتصاد والتعاون والاستثمار، وربما تشغيل الايدي العاملة في المنطقة وصولا للاقليم، بعد ركود ومراوحة فرضتهما بقوة قسرية تداعيات الجائحة التي خلفت ما خلفته من تراجع اقتصادي ومشكلات اجتماعية واخرى نفسية.
فمن التفاتة مميزة نحو مشروع "الشام الجديد"، بكل ما يغلفه ذلك من تنسيق وتضافر وانفتاح وتطلعات مع دول الجوار، الى استدارة متجددة للخليج العربي، لا تقل أهمية عن سابقاتها، في وقت لا تنفصل فيه جهود جلالته عن التشبيك ضمن الدائرتين العربية والخليجية لما فيه مصلحة شعوب المنطقة واستقرارها ونمائها، والتطلع لاعادة تعافي الاقتصاد فيها.
ولا ينفصل توجه جلالته هذا عن زيارته الاخيرة للعاصمة القطرية، ولقائه باخيه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في الدوحة، حيث بحث الزعيمان "العلاقات الثنائية وتطورات الأوضاع الاقليمية والدولية"، فيما وصف مراقبون الزيارة ب"الناجحة"، خصوصا، وانها اسفرت عن توقيع اتفاقيات استثمارية بين البلدين، الامر الذي يعكس الثقة المتبادلة، ويعزز من فرص التعاون المشترك على غير صعيد، في وقت يتطلع اردنيون فيه لفرص التشغيل في قطر، في ظل معدل بطالة صادم، في المملكة وصل ل 24.7 في المائة.
تلك الاتفاقيات الثنائية الاردنية القطرية، ليست هي الاولى بالطبع، بل سبقها ايضا اتفاقيات بمجالات عدة، ومنها، اتفاقية بغاية الاهمية، وقعت في تموز الماضي، تتعلق بتعاون بين البلدين في المجال الأمني، فضلا عن التنسيق في مجالات "اقتصادية ومالية وملكية فكرية وصناعية وتقنية وأمن الموانئ والمنافذ.."، وغير ذلك، وربما تترجم بعضا من مفاصل تلك الاتفاقية إبان إقامة مونديال 2022، حيث من المرجح حضور الاردن بقوة وبشكل فاعل ومؤثر عملا بحيثيات الاتفاقية، وهذا ما ينبغي على المعنيين في الاردن التركيز عليه، إذ باتت 2022 الحلم الاقرب للتحقيق، ما يمثل مفخرة عربية، انتظرناها مطولا، ويليق بالدوحة تلك الاستضافة وذلك الدور العالمي الذي يروج للنهضة والتقدم والتنمية والتطور والانفتاح والابهار.
يُشهد للعمالة الاردنية دورها الكبير في تنمية المجتمعات التي وجدت بها، وخاصة في منطقة الخليج العربي، كما يسجل لها الكفاءة والاقتدار والمهنية والرؤى الخلاقة، ولا ننسى ايضا إن الأردن يعتبر "سوقا مهما للمنتجات والسلع القطرية والتي تحوز على ثقة كبيرة من مختلف شرائح المستهلكين في السوق الأردني"، ما يجذر اسس التعاون والانتاجية المشتركة.
وعليه، فإن التنسيق الاردني القطري مهم، ومهم جدا، لاسيما في هذه المرحلة بالغة التعقيد من عمر المنطقة العربية، حيث تتطابق المواقف حيال مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، فيما أن اللقاءات الاردنية القطرية، تحقق دائما المصالح الثنائية، وتخدم القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية.
ولا يخفى على المراقب، أهمية الزيارة الملكية لقطر، في اعقاب التقارب الاردني السوري، وعودة الحياة للحدود البرية بين البلدين، ما قد يشكل نقطة تحول خليجية حول الملف السوري في ظل دعم الأردن لجهود الحفاظ على سيادة سوريا واستقرارها ووحدة أراضيها وشعبها، وتطابق وجهات النظر الاردنية الخليجية حول مختلف الملفات في المنطقة، مصحوبا بأثر حلحلة العلاقات السورية الخليجية على مستويات عدة، ما يبشر بوضع الملفات العالقة على طاولة البحث القائمة على اساس تدعيم الاستقرار في المنطقة، التي لم تعد تحتمل اي ضغوطات إضافية على وقع استمرار الاحتلال والازمات السياسية، وآثار الجائحة، والحروب والنزاعات والارهاب وربما خلاياه النائمة، اذا لم يتيقظ اصحاب القرار العربي لجهة أهمية الوقوف صفا واحدا في مواجهة كل ما تقدم.
لم يبتعد الاردن يوما عن محيطه العروبي، انطلاقا من ثوابته في الحفاظ على العلاقات العربية العربية القائمة على الاحترام المتبادل، وهو إذ يمد الجسور نحو الدوحة، انما يؤكد على اننا كعرب لا يمكن لنا ان نعيش بجزر معزولة بعضها عن بعض، وهو بذلك ايضا يحافظ على علاقاته مع بقية الاشقاء العرب، على مسافة واحدة، دون التدخل بالشؤون الداخلية للدول، أو التخلي عن هذا الطرف او ذاك في حالة نشوب أي أزمة، او نزاع بين العرب.
وحتى في أعتى الظروف، يتقن الاردن بكياسته وتوازنه، الحفاظ على مكانته واحترام الدول له، ولقيادته الحكيمة الحريصة على خطاب رسمي يحترم الآخر، ويصون عهوده معه.
ويسجل للاردنيين - وهذا واجبهم العروبي والقومي - احترام وتقدير قطر والقطريين، والعكس صحيح، حيث نلمس كل الاحترام والثقة من اخوتنا في قطر بالاردن والاردنيين، انطلاقا من يقين مشترك بوحدة المصير والمسار لما فيه خير الشعبين الشقيقين، على رجاء البناء على هذه الارضية الخصبة من العلاقات المتميزة، أملا في انتعاش اردني اقتصادي وتشغيلي في بلد عربي خليجي يعد اليوم أحد "أقوى الاقتصادات الإقليمية ومن بين أكثر الاقتصادات الواعدة على الصعيد العالم، في ظل معدلات نمو متوازنة على الرغم من مختلف التحديات العالمية"، حيث صعد الناتج المحلي الإجمالي لدولة قطر في الربع الثاني من 2021، على سبيل المثال لا الحصر، بنسبة 4 بالمئة، على أساس سنوي، وسط التعافي من تداعيات جائحة كورونا، كما بلغ الناتج المحلي (44.4 مليار دولار) في حزيران الماضي.
وعلى الرغم من مواجهة الشقيقة قطر لضغوط بسبب تداعيات الجائحة وارتفاع تكلفة مشروعات تنظيم كأس العالم في 2022، إلا أنها "تظهر صمودا معتمدة على ارتفاع احتياطاتها الأجنبية وأصولها بالصندوق السيادي"، كما وتلقى اقتصاد قطر، "أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم، دعما من تحسن الطلب على الوقود وارتفاع أسعار الغاز"، حيث نأمل نحن في الاردن أن نعزز من شراكاتنا الاستراتيجية مع الشقيقة قطر في إطار من التكامل خدمة للمصالح المشتركة، ونستطيع ترجمة ذلك على أرض الواقع، انطلاقا من العلاقات الاخوية الوثيقة بين الزعيمين النابعة من حكمة وذكاء وقراءة متمعنة لمعنى العمل العربي المشترك.
ولم يغفل مراقبون لغة الجسد التي رافقت الصور الملتقطة للزعيمين الاردني والقطري في الدوحة، حيث روت بكل وضوح تفاصيل التفاؤل والرضا والتفاهم والاتفاق على غد افضل، على أمل تعزيز الاستثمارات القطرية في الاردن الذي يتمتع ببيئة جاذبة عمادها الاستقرار والامن ودولة المؤسسات والقانون، خاصة في ظل استحداث وزارة للاستثمار، والتي ينبغي عليها ان تبني عملها استنادا لدعائم متينة، تعزيزا لجذب المزيد من الاستثمارات، وتأكيدا على البيئة الاردينة الجاذبة له، في اطار من الشفافية وتسهيل الاجراءات، وتعزيز الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات وصيانة حقوق المستثمرين، والابتعاد عن البيروقراطية، التي تعد المقتل الحقيقي للاستثمار.
ekhlasqadi@hotmail.com