هنا امتحان الضمير الصحفي لإنقاذ المهنة
حسين الرواشدة
13-10-2021 11:55 PM
غدا يقف الصحفيون امام الصناديق لانتخاب من يمثلهم لقيادة نقابتهم، لدي رسالة واحدة أرجو أن أذكر الزملاء الأعزاء بها، وهي أن مهنة الصحافة ليست بخير، فما تعرضت له على مدى السنوات الماضية أفقدها مصداقيتها، ونزع منها تأثيرها في الرأي العام، وحولها – للأسف- الى “ملطشة” لسياسات رسمية تجرأت عليها.
الآن ، حان الوقت لوقف هذا التدهور، وإعادة الصحافة الى مكانها الصحيح: ناطقة باسم الضمير العام للناس، وممثلة لقيم الدولة، ومستقلة بما يكفي لاستنشاق ما يلزمها من ” أوكسجين” الحرية، وما تحتاجه من جرعات الإرادة والشجاعة.
لا يمكن ان يتحقق ذلك الا بوجود ” نقابة” حية وقوية، تكون بمثابة ” رأس” يتولى قيادة الجسم الصحفي ويحصنه ويدافع عنه، ويتفانــى في خدمته فالنقابة هنا وسيط مهني مهم بين الصحافة والدولة، وبين الصحفيين ومؤسساتهم، وكل المحاولات التي جرت، فيما سبق، لتكسير هذا الوسيط أو تحييده او اشغاله بنفسه وبخلافاته، صبت في هدف واحد، وهو إزاحة الصحافة عن منصتها ودورها، وتحويل الصحفيين لسعاة على الأبواب، يبحثون عن وظيفة، أو ينتظرون راتب آخر الشهر الذي قد يأتي أو لا يأتي، بدل الارتقاء بالمهنة، والعمل في مناخات صحية تضمن للضمير الصحفي أن يتحرك بلا قيود.
الانتخابات فرصة لكي يحدق الصحفيون في مراياهم ليكتشفوا ما فعلوه بأنفسهم، وما فعله الآخرون بهم، والأهم لكي يحاسبوا كل الذين استغلوا هذه المهنة الشريفة، وركبوا موجتها ثم اختطفوها، حتى إذا وقعت في ” الفخ” المنصوب، او هرمت وأصابها التعب، تبرأوا منها، وقذفوها بحجارتهم، ثم أطلقوا عليها الرصاص.
في “محنة” الصحافة التي طالت، لم يكن الصحفيون وحدهم من خسر، المجتمع خسر، والدولة أيضا، فالصحافة الوطنية الحرة الصادقة هي صوت المجتمع، وضمير الدولة وذراعها القوية، يكفي أن ندقق في “باروميتر” الصحافة لنعرف حركة السياسة وحركة الوعي، ومنسوب الحريات العامة وحالة المجتمع، فأزمة الصحافة أو مرضها هي عنوان لأزمة مؤسسات الدولة ومرض المجتمع، والخروج منهما هو انتصار لكل الأطراف.
ما يجب أن يفعله الصحفيون، في هذا اليوم تحديدا، هو أن يتركوا لضمائرهم أن تختار من يثقون بأنه الأقدر والأكفأ والأحرص على استعادة ” نقابتهم” لهيبتها وفاعليتها ودورها، فالنقابة هي المسؤولة عن إعادة العافية لمهنة الصحافة، ولا يمكن ان تنهض بهذا الواجب إلا اذا أصلحت نفسها، وانفتحت على مجالها العام، حيث الصحفيون ومؤسساتهم الصحفية، ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني، وتعاملت معهم جميعا بمنطق الشراكة والتوافق، والاحترام وتقاسم الأدوار، بلا خوف او حسابات ” ضيقة”.
لن يسامحنا الله، ولا أبناؤنا الصحفيون الشباب، ولا مجتمعنا وبلدنا، إذا اخفقنا في مهمة انقاذ المهنة وإعادة الروح لنقابتها، فموت الصحافة وتراجعها عن أخلاقيتها، أو تهشيم مصداقيتها والعبث بها، هو أسوأ وصفة يقدمها الذين لا يريدون ” الخير” لبلدنا، وواجبنا اليوم أن نتوافق على وصفة أخرى تدفع عن المهنة هذا ” الكيد “، وتحررها من خيباتها، وتهيئ لها من الصحفيين المخلصين من يتولى إعادتها الى سكة السلامة.
بقي لدي كلمة أخيرة، وهي أن أقصر طريق للفشل هو ” العناد”، هذا الذي تفرزه الصراعات على المصالح، وتصفية الحسابات، واجترار الماضي الحزين، والمطلوب ان يخرج الصحفيون اليوم بالذات من هذا ” المركب”، وأن يتركوا لضمائرهم أن تقول كلمتها بلا معاندة.
(الغد)