للاجابة على سؤال وردني بهذا الخصوص, يتعين علي الاشارة الى ما نصت عليه المادة (60/2) من الدستور بقولها: "في الدعوى المنظورة امام المحاكم يجوز لاي طرف من اطراف الدعوى اثارة الدفع بعدم الدستورية, وعلى المحكمة ان وجدت ان الدفع جدي ان تحيله الى المحكمة التي يحددها القانون لغايات البت في امر احالته الى المحكمة الدستورية".
استنادا الى النص, يتبين ان من له مصلحة من اطراف الدعوى في اثارة الدفع هو من يتضرر من تطبيق القانون او النظام الواجب التطبيق على موضوع الدعوى المنظورة, حيث يحول بهذا الدفع من تطبيقه ان وجدت المحكمة الدستورية ان هذا القانون او النظام غير دستوري .
وعليه , فان الدعوى التي يثور فيها الدفع قد تكون مدنية وقد تكون جزائية لان النص جاء مطلقا والمطلق يجري على اطلاقه ما لم يرد ما يقيده.
وعليه ايضا, ان كانت الدعوى مدنية, قد يثير المدعي الدفع فيها, ان ارتأى ان القانون او النظام الواجب التطبيق على موضوعها يؤدي الى خسارته الدعوى التي اقامها. وقد يثير الدفع بعدم الدستورية المدعى عليه, ان ارتأى ان تطبيق القانون او النظام الواجب التطبيق على موضوعها يؤدي الى الحكم عليه فيها.
ولا يختلف الامر اذا كانت الدعوى المطروحة على المحكمة جزائية , فقد يثير الدفع المشتكي ان ارتأى ان القانون او النظام الواجب التطبيق على موضوعها قد يؤدي الى عدم الحكم على المشتكى عليه , وقد يثير الدفع المشتكى عليه ان ارتأى ان هذا القانون او النظام الواجب التطبيق على موضوعها قد يؤدي الى الحكم عليه بادانته .
اما المقصود بالجدية التي يجب ان تتوافر في الدفع تمهيدا لقيام المحكمة الناظرة للدعوى باحالته الى المحكمة الدستورية عبر محكمة التمييز , فيمكن تبيانه والتعرف عليه , من خلال مواد قانون المحكمة الدستورية وبالتحديد المادة (11 ) بفروعها المختلفة .
فالمادة ( 11/أ) من هذا القانون , اشترطت ان يكون القانون او النظام المدفوع بعدم دستوريته , هو القانون او النظام الواجب التطبيق على موضوع الدعوى , لانه لا مصلحة لاحد اطراف الدعوى في الدفع بعدم دستورية قانون او نظام غير واجب التطبيق على موضوعها.
فالمحكمة الدستورية لا تملك دستوريا او قانونيا حق النظر في دستورية قانون او نظام لا يتوجب تطبيقه على موضوع الدعوى المطروحة على المحكمة , على ان هذا لا يمنع المحكمة الدستورية من رؤية دستورية قانون او نظام يتم فيه الطعن حصرا من قبل احدى الجهات التالية وهي مجلس النواب او مجلس الاعيان او مجلس الوزراء حتى في حالة عدم وجود دعوى مطروحة على القضاء تطبيقا للمادتين (60/1) و (9/أ) من الدستور والقانون على التوالي .
كما ان تطلب شرط وجوب ان يكون القانون او النظام الواجب التطبيق على موضوع الدعوى قد تكرر في الفقرتين (ب و ج) من هذه المادة.
فالمادة (11/ب) اوجبت ما يلي: تقديم مذكرة خطية من قبل الطاعن تتضمن : ( اسم القانون او النظام الذي اثير الدفع بعدم دستوريته ورقمه ونطاق الدفع بصورة واضحة ومحددة وما يؤيد ادعاءه بان ذلك القانون او النظام واجب التطبيق على موضوع الدعوى ووجه مخالفته للدستور , ويجوز لاي طرف اخر في الدعوى تقديم رده خلال المدة التي تحددها تلك المحكمة على ان لا تزيد على خمسة عشر يوما من تاريخ تقديم مذكرة الدفع بعدم الدستورية " .
في حين تطلبت الفقرة (ج) من هذه المادة ضرورة ان يكون القانون او النظام الذي أثير الدفع بعدم دستوريته واجب التطبيق على موضوع الدعوى , وان الدفع بعدم الدستورية جديّ , حينئذ يتوجب على المحكمة الناظرة للدعوى احالة الدفع الى محكمة التمييز لغايات البت في امر احالته الى المحكمة الدستورية ويكون قرار المحكمة الناظرة للدعوى بعدم الاحالة قابلا للطعن مع موضوع الدعوى .
والجدير بالذكر ان القانون لم يحدد الحالات او الشروط الواجب توافرها لغايات البت في امر احالة الدفع الى المحكمة الدستورية من قبل محكمة التمييز , علما بانه من المفترض ان يكون القانون المتعلق بالمحكمة الدستورية هو الذي حدد الحالات التي يتعين فيها على المحكمة الدستورية البت في الاحالة قبولا او رفضا الامر الذي يشكل قصورا تشريعيا يتعين مواجهته بالرجوع الى القواعد العامة في قانون اصول المحاكمات المدنية التي توجب تسبيب اي قرار او حكم يصدر من المحاكم على مختلف انواعها .
وفي خاتمة هذا المقال اشير الى ان مصطلح الجدية قد ورد ذكره في سياق الدعاوى المرفوعه من قبل اطرافها ولم يرد ذكره في سياق او مقام احدى الجهات المختصة حصراً بالطعن في القوانين والانظمة النافذة , فالجدية والمصلحة في الطعن من قبل احدى الجهات الرسمية المنوه عنها اعلاه, مفترضان افتراضا لا يقبل اثبات العكس .
والله من وراء القصد ,,,
عميد كليتي الحقوق في الجامعة الأردنية وعمان الأهلية سابقا
عضو محكمة التمييز سابقاً
وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء والتشريعات سابقا
عضو المحكمة الدستورية سابقاً