من أبرز استراتيجيات النفيخ والطبيخ، التي تنتهجها الطاهيات الماهرات والطاهاة الحاذقون: ألا ترفع غطاء الطنجرة كل حين، وتأخذ بالتحريك والتقليب، أو تذوق النكهة مرة إثر مرة، أو أن تضيف شيئاً جديداً تذكرته الآن، أو أن تستخرج شيئاً آخر اكتشفت بعد فوات الأوانن أنه لم يكن يلائم طبختك أو يناسبها، ولن يمدها بالمذاق المطموح فيه.

من المعروف علمياً وعملياً، أن رفع غطاء الطنجرة وتحريك مكوناتها، أو تعديلها بهذا العدد الكثير من المرات؛ يبدد الحرارة، ويؤخر نضج الطبخة ويفقدها نكهتها. ولهذا فالمهارة تقتضي أن نكون عارفين ماذا نريد قبل أن نشعل النار، وما المكونات التي علينا أن نختارها بعناية، ومقاديرها ومواصفاتها. وألا نبقي الأمر مفتوحا للتحزير والتجريب، مما يجعلنا نعمد إلى تكتيك رفع الغطاء، والبحلقة في المكونات، وقد يخطر في بالنا أن نسحب حبة الجزر، ونقول في أنفسنا ناديمن: كان علي ألا أضع هذا في طبختي، وسأضيف بدل منه الخيار أو الكوسا، أو مكعب مرقة دجاج.

للأسف الشديد نحن خسرنا كثيراً من مشاريعنا عبر استراتيجية تعاكس كل قوانين الطبيعة المفضية إلى سرعة النضج والنتيجة المرجوة. نحن مشغولون فقط بتفقد المكونات وتغيرها وتبديلها وسحبها، وإضافة مكون آخر لم يكون في بالنا، ودون أن نعلن عن سبب هذا التغيير، أو لماذا سحبنا ورق الغار مثلاً، وأضفنا بدلا منه حبات الكراوية، ومسمارين من كبش القرنفل أو نثرة فلفل أسود. والنتيجة ليس فقط تبديد الزمن والحرارة. بل إننا لن نحصل على طبخة حقيقية، تقيم أودنا، وتمتع مزاجنا.

عبر قرن من الزمان وعمر الحكومات لدينا لا يتجاوز السنة في المعدل. وقد يكون العدد مقبولاً، ولكننا الوحيدون في العالم من يتخذون استراتيجية التعديلات بهذه الكثرة المبددة للطاقة والمفتوحة على التجريب والتحزير والتخمين. الأصل أن يكون الطباخ عارفاً ماذا يريد؟، وأن يختار بعناية فائقة مكونات طبخته، ويحدد مقاديرها ومواصفاتها، ثم يطبخها واثقا بالنتيجة. دون أن يضطر إلى رفع الغطاء وتيقليب وشقلبة الطبخة، مما يبقيها بعيدة عن كل نضج أو مذاق.

فهل سيأتي حين من الدهر ونرى حكومات طويلة عمر في بلدنا؟. حكومات برامجية تقوم على استراتيجية ثابتة لها رؤية محددة وواضحة. وليست حكومات تكتيكية انفعالية تمشي أعمالها يوما بيوم؟. هل سـاتي يوم وتكون لدينا حكومات مبنية على دقة اختيار لأعضائها، فلا تحتاج كل حين إلى تعديل ورفع غطاء وتحريك؟. نريد حكومة واحدة فقط تكمل طبختها.