جميل الإصغاء إلى الخبرات، بعضنا من بعض، ويتقّوى الإنسان حين يرى أخاه الإنسان قد خاض تجربة مماثلة وتخطاها وأصبح مثالاً وقدوة.
من هنا خبرات ترك بعض العادات والممارسات اليومية، ومنها التدخين.
قبل عشر سنوات كان القرار بترك هذه العادة بعد عشر سنوات من الاستملاك منها. وكنت قبلها قد أصغيت إلى خبرة المونسنيور (الكاهن) السرياني يوسف ساغ، وكان رئيسا للكنيسة السريانيّة الكاثوليكيّة في تركيا. واثناء اجتماعات في الفاتيكان، وحين كان يشاهدني أدخن، كان يرفع إشارة التحذير بيده، ويقول بلهجة عربية «مطبشة» متحدثًا عن نفسه بصيغة الغائب: «هو بدخن 40 سنة، ويوم الجمعة العظيمة يُصلي ويرمي باكيت الدخان، ومن يومها، يعني قبل 20 سنة، هو ما بدخن ولا سيجارة».
ظل صوت الكاهن الختيار في أذني، وصرت يوميا أتمنى أن أحظى بذات اللحظة الحاسمة. كان ذلك في شهر 10 سنة 2010، وبقيت أدخن إلى فجر الأول من أيار 2011، حيث كنت في الفاتيكان لحضور تطويب البابا يوحنا بولس الثاني، والساعة 4:00 فجرا، رنت في أذني، وبشكل مباغت، كلمات الكاهن السرياني، وأمسكت باكيت الدخان، وقلت: «يا رب بحق هذا النهار التاريخي المقدس، حرّرني من الدخان»، ورميت بالباكيت في سلة المهملات.
كان قداس التطويب طويلاً، وحين خرجت من القداس توجهت للغداء مع زميلي في الإعلام السيد بهاء علمات، فقال لي أين سجايرك، فقلت له شكلي تحررت منه. وبالفعل لم يأتِ على بالي أبدًا كعادتي طوال عشر سنوات بعد الغداء مباشرة. وفي شهر أيار هذه السنة 2021 شكرت الله تعالى من جديد على نعمة الخلاص، منذ عشر سنوات، من عبودية الصغيرة المحتالة: السيجارة.
أقول هذا الكلام مشجعًا الجميع على التحرّر، وأنا على يقين بأنّ كلّ مدخن–سواء السيجارة العادية أو الأرجيلة أو ما يسمّى السيجارة الإلكترونية–يتمنى مع كل صباح جديد أن يتخلّص من العبودية. وحين تكون زيارة لأحدنا إلى أوروبا وأميركا نرى كيف أن المدخن هو مثل المتهم في قفص ولا يجوز له أن يدخن في أي مكان يشاء.
بالإرادة الحسنة والصلاة التي لها دور في تقوية الإرادة، يستطيع المرء أن يتخلى. وقد دعيت قبل ثلاث سنوات، من الجمعية الأردنيّة لمكافحة التدخين، للحديث عن وجهة النظر الدينيّة المسيحيّة حول مضار التدخين. وأذكر أنني تحدّثت طبعًا عن تعليم الكنيسة في الحفاظ على الجسد الذي هو «هيكل الروح القدس»، وعلينا الاهتمام به لكونه خليقة الله، ولكوننا به نؤدي خدمات للأخوة في كل مجال عمل وميدان خدمة. ولكنني أيضا تحدثت عن خبرتي المتواضعة في مكافحة التدخين والتوقف عنه قطعياً.
وها أنا أضعها بين يدي القراء الأعزاء، متمنيًا أن تكون قدوة للعديدين. ففضلا عن المضار الاقتصادية التي تمزّق الجيب، التدخين يمزق القلب وبالتالي يدخل الأحزان إلى بيوتنا العزيزة. فلنتكل على الله العلي، ولنكمل بشكل جماعي ووطني مسيرة مكافحة هذه الآفة المؤدية إلى الهلاك. وإنَّ الله على كلّ شيء قدير.
(الرأي)