الدولة المدنية والدولة البدوية
فايز الفايز
12-10-2021 12:24 PM
نشأت الدولة الأردنية بين حربين عالميتين، الأولى وهي حروب إمبراطوريات وقيصريات، والثانية حرب محاور لدول كانت نتاج فكفكة العالم القديم وبروز قوى عظمى جديدة، وبقي الأردن ينبت منذ الإدارة الحكومية الأولى تحت الانتداب البريطاني حتى استطال عهده الى أن دخل المئوية الثانية بآليات التاريخ القديم، فقد كانت الدولة القديمة انتقال تدريجي من مجتمع القبيلة والقرية الى هيمنة الدولة التي سرعان ما اندمجت المكونات الأصلية في بوتقة الدولة تحت النظام العام، ولا زالت التوصيفات الغربية عن الأردن ونظامه تصف البدو بأنهم ركائز النظام، والحضريين هم عماد الإقتصاد، مع التحفظ على هذه الوصفية التي أخذت منحا تحسسي ليس لحقيقة الدور الكبير لها ولكن لنهايتها التي أجلستها على مقاعد المتفرجين.
بعد كل ذلك التاريخ الذي انخرط فيه البدوي والحضري والفلاح والمتمدن والسياسي والحزبي الوطني وغير الوطني، لم يستطع احد أن يجدد في جلد هذا البلد سوى خريجي مدارس التغريب والأدلجة التي تدفع بانسلاخ المجتمع ودفعه الى اعتقاد قواعد النظريات الغربية المرفوضة هناك عند شرائح كبيرة من مجتمعاتهم، وعلى رأسها التيارات الليبرالية والعلمانية والتي بات الالتباس يحيطها بالغموض، خصوصا عند انسحابها عن الشرائع الدينية، وتمددها نحو عمق المجتمعات بالتغيير الممنهج ابتداءً من المعتقدات الدينية التي تواجه تشكيكا غير حقيقي، والأنماط الاجتماعية وصولا التغيير الفكر نحو ما يسمى بالدولة المدنية التي تلتف حول عنق المستقبل اليوم.
نحن كدولة لا نستنبط أفكارا خلّاقة للتغيير نحو الأفضل مع انفتاحنا على كل ما هو غريب وجديد من الصراعات التي وصلت الى بيوت الطين حتى، ولكننا نستنسخ تجارب الدول الغربية التي فتحت أبواب التغيير على مصاريعها منذ عقد الأربعينات من القرن الماضي، ورغم تأخرنا عن اكتشاف الكثير من الموروثات الغربية الجديدة، فإن الهجمات المرتدة علينا تأتي على حين غرة، وبدأ تسلل التغيير نحو تهجين المجتمع عن طريق إدخال مسميات مغلفة بالحداثة والتجديد والقفز عن حقائق الواقع، وكان خير معين لها سياسة التفريغ لمحتوى النخب التاريخية التي أسست البلد، واعتماد سياسة الإغراق في الألقاب والوصفيات التي تدغدغ الساذجين ليحتلوا مقاعد الركائز الوطنية التي لا تنظر الى مصلحة خاصة .
إن العبث بتركيبة المجتمع عن طريق تسليع الشخصيات كمعتمد بديل عن القواعد المجتمعية، وتطعيم أجنحة الدولة بشخوص لا يعرفون تاريخ البلد ولا يهتمون أصلا به، وتشجيع التشيع للفكر التغريبي بدأ مبكرا على خوف ولكنه اليوم بات يشكل تهديدا للهوية الوطنية التي تستوجب إنضمام الجميع تحت مظلتها، فالدولة الأردنية لا تزال تلك الدولة البدوية المبكرة بنسختها العشائرية التي لا يستطيع أحد أن يفكفكها، والدولة المدنية الحديثة التي يتداولونها ليست هي الحلم الذي نسعى له لتحقيق مبدأ العدالة وحماية جميع المكونات الوطنية، وكل ذلك تحت بصر وسمع أبناء الدولة القديمة الذين لم يعد لهم دور في التأشير على مكامن الخطر.
من هنا رأينا بعض الإجراءات التي نالت من حقوق الكثير من مكتسبات الأردنيين ، ليس اليوم ونحن في سكرتنا، بل سنلحظ نتائجه بعد عقد أو أكثر، عندما يسألنا الجيل القادم عن تاريخ دولتنا ومجتمعنا ثم نتبرم بشفاهنا، ونحن الذين لم ننصف آباءنا المؤسسين ونزور التاريخ لنتملق جيل اشتهى تفاحة الغرب الذي لن نصل الى عُشر ما وصلوا اليه من تقدم وتطور في كل مناحي حياتهم اقتصاديا وصناعيا وفكريا وقوة جبارة يركع الشرق العربي أمامها.
مع الملاحظة التي يعرفها الجميع ويصمت عنها وهي سياسة الإستبدال لإرضاء غيرنا بدعوى اننا دولة حداثية ونحن أبعد ما نكون عن ذلك، فهلا تركتم لنا تاريخنا الجميل وسنترك لكم الجمل بما حمل لأننا رعاة لا يستحقون سوى ذكريات أجدادنا ولسنا بمقام القيادة في السياسة والتجديد الاجتماعي نحو الأفضل، فالقوة قاهرة ونحن ضعفاء على حمل مفاهيم السم في العسل وإرضاء الأقلية على حساب الأكثرية .
Royal430@hotmail.com