كما جرت العادة لم يتفاجأ الأردنيون بهشاشة التعديل الأخير على الحكومة الذي جرى أمس، إذ أصبح هذا المسلسل بالنسبة للأردنيين مسلسلا باهتا ومملا ولا جديد فيه، ويأتي في العادة لزيادة عمر رئيس الحكومة في الدوار الرابع رغم أن الملك من الممكن أن يعفي الحكومة بعد أقل من أسبوع على تعديلها حسب صلاحياته الدستورية إذا رأى ذلك واجبا.
هذا هو التعديل الرابع على حكومة الخصاونة، وبذلك ضربت رقما قياسيا في عدد التعديلات وسوئها إذ جاءت كلها بلا معنى وبلا فائدة رغم أن الحكومة أكملت قبل يومين عامها الأول. التعديل الذي جرى أمس جاء محبطا وصادما بعد أن تم الحديث عنه بأنه سيكون استثنائيا ويشكل دعما كبيرا لأداء الحكومة خصوصا في الجانب الاقتصادي، فجاء الواقع مغايرا تماما للادعاءات، حيث كان في معظمه تدويرا للوجوه القديمة، والوجه الآخر توزير أشخاص جدد تاريخهم المهني ليس كما يجب في معظمه. ولا أدري ما علاقة وزارة البيئة والثقافة والتربية والشؤون القانونية بتثوير الجانب الاقتصادي في أداء الحكومة، العملية هي فقط عبارة عن تدوير لا أكثر ولا أقل. فماذا يعني إخراج وزيرة الطاقة مثلا، وإعادة الوزير السابق للطاقة؟ وجاء إخراج وزير الثقافة علي العايد رغم أن الرجل قدم في الوزارة جهدا يشكر عليه وأعادها إلى الواجهة، لكن للأسف الرغبة فقط في توزير شخص آخر حتمت الإطاحة بوزير ناجح..
المعروف أن الوزير الذي يخرج في التعديل يكون رئيس الحكومة غير راض عن أدائه، أو أن هناك ظرفا سياسيا يحتم خروجه من الحكومة، ولكن معظم من خرج من صفوف هذه الحكومة كان من الناجحين، خذ مثلا وزارة الشؤون القانونية، فما هو المبرر لإخراج القانوني والسياسي المخضرم محمود الخرابشة من الحكومة إلا أن هناك رغبة في توزير وجه جديد. وهذا يعيدنا إلى المربع الأول في تشكيل وتعديل الحكومات في الأردن، حيث تطغى العلاقات الشخصية والواسطات على المصلحة العامة بكل تفاصيل الصورة.
رئيس الوزراء الحالي منذ أن شكل حكومته قبل عام غير 3 وزراء إعلام دون إبداء المبررات أو توضيح الأسباب، فلا نعرف لماذا دخل فلان ولماذا خرج علان، وكأن مشاكل الحكومة والبلد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية كلها متركزة في وزارة الدولة لشؤون الإعلام، ولكن الحقيقة هي نفس القصة، الرغبة في توزير أشخاص جدد (وإبداء الوفاء للأصدقاء). من الواضح أن المعيار في تعيين وزراء الدولة لشؤون الإعلام في الفترة الأخيرة هو مثلا اتقان الخطب وحفظ الشعر، أو القدرة على التنكيت والمزاح والتظاهر بخفة الدم. لا أعرف كيف سيواجه وزير الدولة لشؤون الإعلام الجديد المشاكل الكبرى التي يغرق بها الإعلام الأردني من أزمات مالية ضاغطة بقوة ومهددة لوجود مؤسسات كبرى ووجود ارتباك في الأداء في معظم المؤسسات الإعلامية وتهديد بسن قوانين جديدة من شأنها أن تقيد حرية الإعلام، والعبث في مستقل الصحفيين ونقلهم من المؤسسات الإعلامية إلى مؤسسات حكومية أخرى تهدد مستقبلهم المهني كما يحدث في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون.
من المؤكد تماما أن الرجل الجديد لن يغير شيئا في الوضع الراهن، لأن الواقع أكبر من قدراته وإمكانياته فالمعضلات التي تواجه الإعلام بحاجة إلى فريق وطني وقرار سياسي لإخراجه مما هو فيه من سوء حال، وقتامة صورة.
الوزير الشبول سجله الوظيفي حافل بالمراكز القيادية في الإعلام (اللهم لا حسد)!!، ولكنه كغيره من المسؤولين خرج كما دخل دون تقديم أي شيء ملموس لإنقاذ المؤسسات التي كان يرأسها، والحقيقة أنه ربما لا يكون هذا ذنبه، ولكن ذنب من يقوم بتعيين القيادات والوزراء وتوزيع قطع من قالب الحلوى على الأصدقاء والمقربين بشكل واضح وفج.
المهم أن الإعلام ليس بحاجة لوزير دولة، بل هو بحاجة كما قلنا إلى قرار سياسي وفريق وطني والإجابة على السؤال الكبير هل الدولة تريد الإعلام الوطني وهل تريد إعادة بنائه من جديد، أم أنها ستظل بكل مؤسساتها وعلى رأسها الحكومة تدير ظهرها للإعلام الوطني ومرعوبة ومفتونة بالإعلام الدولي والعربي وإعلام الاغتراب، وهذه علة لا بد من تفكيكها والالتفات بعين الاحترام إلى الإعلام الوطني والكف عن العبث به، فهل يستطيع الوزير الجديد القيام بذلك؟ أشك بذلك..
الأردنيون باتوا يدركون تماما أن تعيين موظف في دائرة حكومية درجة عاشرة أصعب بألف مرة من تعيين وزير أو إخراج وزير، فقد فقد منصب الوزير احترامه عند الناس، ولم يعد أحد من الأردنيين يثق بالحكومات ولا ببرامجها التي لا تساوي ثمن الورق الذي تطبع عليه.
الحدث الأبرز في التعديل الأخير على الحكومة، والذي بشر به رئيس الوزراء أنه استبدل بوزارة الدولة لشؤون الاستثمار وزارة الاستثمار ووجد مرجعيات الاستثمار، وكأن هذه الخطوة هي العصا السحرية التي ستجلب الاستثمار إلى البلد، مع أن الكل يعرف بأن معضلة الاستثمار في البلاد هي ضعف القرار وسوء التشريعات وغياب التسهيلات للمستثمرين، وليس توزير أشخاص جدد أو تغيير اسم الوزارة..
التعديل الأخير لن يعطي الحكومة دفعة على طريق ثقة الناس ولن يعطيها جرعة في احتمال إنجاز قوي في مسيرتها، وهذا عائد أولا إلى الصورة النمطية التي شكلها الأردنيون منذ سنوات طويلة عن ضعف الحكومات وسوء الاختيار في التشكيل.
أصبح لا بد أن يقوم أي رئيس حكومة بإجراء تعديل على حكومته أن يقدم مبررات للرأي العام لماذا دخل هذا الوزير ولماذا خرج هذا الوزير وأين نجح هذا الوزير وأين فشل ذاك الوزير، فالحكومة ليست ملكا لأي رئيس، وقرارها يجب ألا يكون بيده وحده، ولا بد لمؤسسات الدولة أن يكون لها رأي في الموضوع، فقد تعب الناس وتعبت خزينة الدولة من تكاليف التوزير اللا مبرر.
في النهاية التعديل الأخير على الحكومة لم يأت بجديد، ولن يفاجأ أحد به، فقد جرت العادة منذ أكثر من عقد أن تكون الحكومات في معظمها على هذه الشاكلة، وأن يكون أداؤها ضعيفا غير مقنع، وعلى الأردنيين السلام.