ويسألونك عن (الوصايا) .. خالد الكركي نموذجاً
حسين الرواشدة
30-06-2010 05:08 AM
وظيفة الدين - أي دين - في الاصل هي تحقيق هداية الانسان ، فكرا وسلوكاً ، والارتقاء به الى درجة من (الكمال) الانساني الذي يتساوق مع مبدأ الامانة التي حملها ، والعمارة التي انتدب اليها.
وفي الكتب (الالهية) الثلاثة المقدسة ، ثمة اشارات واضحة الى مجموعة من التعاليم و(الوصايا) والقواعد التي تضبط حراك البشر ، وتهذب سلوكهم ، فقد تضمن العهدان القديم والجديد - مثلا - (الوصايا العشر) التي انزلها الله تعالى على النبي موسى (الوحدانية ، تقديس الخالق ، احترام الوالدين ، ثم لا تقتل ، لا تزنً ، لا تسرق ، لا تشهد بالزور..) وهي ذاتها التي يؤمن بها اخواننا المسيحيون ، وتعتبر جزءاً من الشريقتين اليهودية والمسيحية.
(يبلغ عدد الوصايا لدى اليهود نحو 613 وصية ، ولدى المسيحيين نحو ذلك) ، اما في القرآن الكريم فقد اطلق بعض الفقهاء على ما ورد في سورتين منه اسم (الوصايا الشعر): احداهما سورة الانعام (قل تعالوا اتل ما حرم عليكم ربكم.. الخ) والاخرى سورة الاسراء (وقضى ربك الا تعبدو الا إياه..) وقد ورد عن ابن عباس - مثلا - ان آيات سورة الانعام هن (ام الكتاب).
في القرآن الكريم - ايضا - سورة باسم (لقمان) ، وفيها يقدم هذا الرجل الحكيم الذي قيل انه عاصر سيدنا داود عليه السلام وعاش في بلاد النوبة ، عدداً من الوصايا لابنه (يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم... يا بني اقم الصلاة وأمر بالمعروف وانهى عن المنكر واصبر على ما أصابك ان ذلك من عزم الامور).
الوصايا - بالطبع - نتاج تجربة انسانية او هي خلاصة وتتويج لها ، وتنم عن حكمة ، وتهدف الى الاصلاح او التغيير ، وفي تراثنا العربي الاسلامي تحتشد أدبيات كثيرة تجسد هذه القيمة ، وقد لا يخلو مصنف لكبار ادبائنا وشعرائنا القدماء من هذه (الوصايا) التي توزعت على ميادين التربية والسياسة والدين وغير ذلك من الميادين.
في عصرنا الحديث ، اشتهرت (الوصايا العشر) للامام حسن البنا ، وأعيد طباعة (الوصايا) لابن عربي ، واحتدم الخلاف حول مقصائد على شكل (وصايا) لبعضهم ، ومؤخراً ، حظيت (الوصايا) التي تضمنتها كلمة الدكتور خالد الكركي ، لدى تخريج طلبة الدراسات العليا في الجامعة الاردنية باهتمام المثقفين واعتبرت وهي (في مقام وداع الابناء والبنات - كما ذكر - ) رسالة لها اكثر من معنى ودلالة.. هذا بالطبع ليس وقت التعليق عليها.
في وصاياه (السبع) بدأ الدكتور الكركي (بالحرية) داعياً الى شطب مقولة (من علّمني حرفاً كنت له عبداً) لأن العلم يرفض ثقافة العبد والسيد ، مثلما يرفضها الاسلام ايضاً ، ثم أوصى طلبته (بعدم الوقوع في فخ اعتبار الحرية غاية في ذاتها) فالتخلف المنتخب ديمقراطياً - كما قال - اسوأ من التخلف المفروض بالقوة اذا كانت قيمة الحرية - كما نمارسها - بلا معرفة وعقل ورؤية ، ثم عرّج على الهم الوطني والقومي ، موصياً بالمزاوجة بين العلم والممارسة ، وداعياً للانضمام الى الحملة العالمية لمقاطعة دولة الاحتلال الاسرائيلي اكاديمياً ، كما سبقنا الاكاديميون في الغرب الى ذلك ، اما وصيته الرابعة فقد كانت في صميم (الوحدة الوطنية) حيث الاردني والفلسطيني في (الغار) القديم والحديث واحد ، وان كانا اثنين ، وحيث (الوطن) كلمة ليس يخطئها القلب يا ولدي..،
وصية الدكتور الكركي الرابعة كانت الدعوة الى التحرر من الخرافة والتعصب والانغلاق ، والنأي عن كل ما يرضي قوى الغلبة والاستعمار ، اما الخامسة فهي الحث على نبذ منطق التشكيك في الذات وجلدها من موقع (الكسل) والجهل والعلم والعمل ، واما الوصية الاخيرة فهي ضرورة الاخلاص للعقل والمعرفة والبحث.
هذه - بالطبع - عناوين الوصايا (الكركية) ، اما مضامينها فتشكل - الى جانب ما فيها من حكم - نصاً ابداعياً جديداً ، يضيفه الرجل الى سلسلة طويلة من الابداعات التي قدمها لمكتبتنا العربية.. ولذاكرتنا الوطنيى ايضاً.
شكراً للدكتور خالد الكركي ، فقد جاءت وصاياه في وقتها تماماً.
الدستور