أوهام الانقلاب على الدستور: ردا على د. رولا الحروب
بسام حدادين
11-10-2021 04:06 PM
انفردت الصديقة د. رولا الحروب، دون غيرها من السياسين والدستوريين والقانونيين ، باتهام التوصيات الدستورية التي أقرتها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، أنها انقلاب على الدستور والنظام النيابي.
سأحاول في هذا المقال وما يتحمل من تفاصيل، الرد على ما جاء في فيديو ومقال د. الحروب، باعتباري أحد (الانقلابيين) ولي مساهماتي في هذه التعديلات الدستورية.
١- عدم الجمع بين النيابة والوزارة: تستند د. الحروب أساسا على هذا التعديل المقترح لتبني عليه حكمها بانهيار النظام النيابي الأردني، وأنها راجعت كل دساتير الأنظمة الملكية المشابهة ولم تجد فيها فصلًا للنيابة عن الوزارة. هل هذا صحيح؟
الحقيقة الناصعة التي لا تقبل الجدل ، ان هذا الاستنتاج ،يفتقد للأمانة السياسية والبحثية.
لعنايتك يا د. رولا عينة من الملكيات الدستورية النيابية التي تنص دساتيرها بوضوح لا لبس فيه على هذا الفصل بين الوزارة والنيابة :
- بلجيكا : تنص المادة (٥٠) من الدستور البلجيكي حرفيًا ما يلي : " يتنازل كل عضو في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ عن صلاحياته في حال عينه الملك وزيراً.
وإذا استذكرنا أن الدستور الأردني مستمد من الدستور البلجيكي أساساً، بإجماع الفقهاء الدستوريين، يغدو التحول إلى الفصل تحولًا طبيعيًا.
٢- هولندا : تنص المادة ( ٥٧) من الدستور الهولندي حرفياً على ما يلي : " لا يجوز لأي عضو في البرلمان أن يكون وزيرًا أو أميناً عامًا أو..".
ثم يا دكتورة. توصيتنا لا تمنع النائب المنتخب من أن يصبح وزيرًا ، بل تدعوه للاختيار بينهما؛ لأن التوصية الدستورية، قالت بعدم الجمع بينهما، فالحزب ألذي يرغب بتوزير أحد نوابه ، له الحق في ذلك، فيستقيل النائب الذي اصبح وزيراً من مجلس النواب ويحل مكانه عضو الحزب في القائمة التي رتبها الحزب حسب أولوياته، ومن هنا جاء مقترح تعديل قبول استقالة النائب من مجلس النواب دون موافقة مجلس النواب ليسهل عملية التبديل امام الأحزاب ويسهل انتقال الكفاءات النيابية إلى الحكومة، أما قولك بعدم أحقية النائب بالاستقالة إلا بموافقة مجلس النواب لأنه منتخب من الشعب، فأني أذكرك بأن الشعب صوت للحزب وبرنامجه ولم يصوت لأفراد، أما النائب المستقل الذي يقدم استقالته لأي سبب كان وهذا من حقه فيحل مكانه النائب الذي يليه في عدد الاصوات، وهو منتخب أيضاً، أليس كذلك.
علاوة على ذلك، فإن الدمج بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، يقوي التنفيذية ويضعف التشريعية.
٢ - حصانة النائب: نعم صحيح، التعديل الدستوري المقترح يسمح بمحاكمة النائب في القضايا الحقوقية والجزائية، وتحصينه من أي مساءلة أو محاكمة في كل ما يتعلق بعمله البرلماني، وهذا هو الأصل، والتعديل الدستوري لم يفعل سوى أنه فسر معنى الحصانة المستقر بكل دساتير الدنيا، ورفع اللبس عن التأويلات التي تستند إلى تعويم النص.
لماذا لا يحاكم عضو مجلس الأمة في قضية شيك بلا رصيد أو إخلاء مأجور أو شتم وتحقير، وغيرها الكثير من القضايا الحقوقية والجزائية ، إلا بموافقة المجلس الذي ينتمي إليه العضو، ويضرني الان عشرات القضايا المرفوعة على نواب التي جمدت ولم يأخذ القضاء مجراه ، بحجة زائفة اسمها حصانة النائب!
٣- رفع عدد النواب لتقديم مذكرة حجب الثقة عن الحكومة الى ٢٥ ٪ أعاد هذا المقترح الدستوري ما كانت قد أوصت به لجنة التعديلات الدستورية ( ٢٠١١) أي قبل المحاولة الانقلابية، مستندة إلى دستور ٥٢ الذي كان يعطي الحق لعشرة نواب في طرح الثقة، وكان عدد النواب حينها ( ٤٠) نائبًا أي بنسبة ٢٥٪ .
أتفق مع الدكتورة أن هذه النسبة عالية، ولا تحرم الأقلية البرلمانية من ممارسة هذا الحق، لكنها تعطي جدية لمذكرة حجب الثقة، وتمنع مذكرات حجب الثقة الاستعراضية والابتزازية، التي طالما كانت رائجة.
في المقابل فقد اقرت لجنة التعديلات الدستورية ، توصية هامة ( لم تذكرها د. الحروب ) تحمي حقوق الأقلية البرلمانية من خلال إعطاء ٢٥٪ من أعضاء مجلسي الأمة حق الطعن بدستورية القوانين أمام المحكمة الدستورية، ما يعني أن الأحزاب البرلمانية يمكنها أن تتوافق وتستعمل هذا الحق. وردًا على القول بأن التعديلات كانت جاهزة والانقلاب مخطط له، ألفت نظر الصديقة رولا إلى أني صاحب هذا المقترح وقد لقي ترحيبا كبيرا من رئيس اللجنة الملكية ورئيس وأعضاء لجنة التعديلات الدستورية، وبالمناسبة فإن مقترح أن تكون مرجعية الأحزاب للهيئة المستقلة للانتخاب مقترحي ولم يستغرق الحوار حوله مع دولة أبي زيد أكثر من ٣ دقائق ليتحمس له ويدافع عنه دون استشارة أي مرجعية.
٤ - تحصين بعض القوانين بثلثي الأصوات لتعديلها، مثل قانون الانتخاب والأحزاب والأحوال الشخصية وغيرها. لأن التحول نحو الحكومات الحزبية جدي، ولكوننا نمرّ في مرحلة تحول ديمقراطي وإلى أن تنضج التجربة (نعم تنضج) وجب تحصين بعض القوانين من تسلط الأغلبية البرلمانية، لتحقيق مكاسب حزبية وأيديولوجية أو الإخلال في الحقوق المكتسبة أو تضر في النسيج الاجتماعي. مثلاً تغيير نسبة الحسم في قانون الانتخاب أو تغير النظام الانتخابي والدوائر الانتخابية، مثل هذه التغيرات لا بد من توفر نسبة توافق أعلى من أغلبية الحضور من النواب وربما لا يتجاوز عددهم نصف عدد أعضاء المجلس. والأمر نفسة ينطبق على القوانين المشار إليها.
هذه ليست بدعة "انقلابية". غالبية دساتير العالم تنص على نسبة الثلثين لتعديل بعض القوانيين (تونس، المغرب) حتى في الملكيات البرلمانية العريقة ، مثلًا في الدستور السويدي نص يوجب نسبة الثلثين لتغير نسبة الحسم ( ٤ ٪ ) . فتحصين القوانيين المشار إليها جاءت لحماية الأقلية من تغول الأكثرية في قضايا لا تعامل بالأرقام المجردة.
هذا الشرح استوجبه التوضيح للزميلة المجتهدة الذكية د. رولا الحروب والأهم للرأي العام.