الهويات الفرعية والهوية الجامعة
اللواء المتقاعد مروان العمد
11-10-2021 10:26 AM
المتابع لما ينشر على صفحات التواصل الاجتماعي في هذه الايام يلاحظ الكثير من الحديث عن هذين المصطلحين ، وخاصة بعد الاعلان عن مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية. وكان الحديث والنقاش حولهما يتصف في بعض الاحيان بالكثير من الاختلاف والحدة في وجهات النظر ، الامر الذي منعني من المشاركة في هذا النقاش وابداء رأيي فيه . واعتقد ان هذا الخلاف يعود للخلط ما بين الهويات الفرعية والهوية الاردنية الجامعة ولخصوصية الوضع الاردني من ناحية اخرى .
الهويات الفرعية من الممكن ان تتمثل بالانتماء للاسرة والعائلة والحمولة والقبيلة امتداداً الى العشيرة . ومن الممكن ان تتمثل بالانتماء الى القرية او المدينة او المحافظة او المنطقة الجغرافية المشتركة . ويمكن ان تكون الهويات الفرعية دينية او طائفية او سياسية او عنصرية او تعود الى الاصول والمنابت .
فيما الهوية الجامعة هي التي تجمع جميع هذه الهويات الفرعية داخل اطار الدولة الواحدة والتي تنصهر فيها جميع الهويات الفرعية . واذا تحقق ذلك فأن هذه الدولة تعيش متصالحة مع نفسها وتعرف طريقها الى الديمقراطية والنماء والتقدم . اما اذا تصارعت الهويات الفرعية مع بعضها ومع الهوية الجامعة فأن هذه الدولة سوف تعيش في صراع داخلي بين مكوناتها وربما يصل الى حد الفتن والنزاع المسلح والاقتتال الداخلي . والدولة التي يحصل بها ذلك فسوف تصبح دولة فاشلة وبعيدة عن الديمقراطية .
سكان شرق الاردن وقبل ظهور الدولة الاردنية كانوا مكونين من مجموعة من العشائر بالاضافة الى بعض العائلات الفلسطينية التي انتقلت لشرقي الاردن واستوطنت فيه خلال القرن الثامن عشر والى ما قبل النكبة الفلسطينية ، بالاضافة لبعض الهجرات على مر التاريخ من قبل الكرد والشركس والشيشان والارمن والبخارية وغيرهم ، والذين استوطنوا شرق الاردن بحثاً عن الامن والامان . حيث اندمجت هذه المجموعات في المكون العشائري الاردني ، والذي وقف مع سمو الامير عبدالله عند قدومه لشرق الاردن خلال الحرب العالمية الاولى مع قوات الثورة العربية الكبرى وانضموا اليها . وعندما تم تأسيس امارة شرق الاردن عام 1921 بايعوا الهاشميون قادة وملوكاً لهذه الامارة. ولم يكن هناك اي صراع ما بين الهوية الفرعية العشائرية والهوية الجامعة لامارة شرق الاردن . بل كانت هوية الاردن الجامعة هوية عربية كنواة للدولة العربية الموحدة ، والتي كان تشكيلها من اهداف الثورة العربية الكبرى . بل كان اول رئيس وزراء لهذه الامارة درزي لبناني وتلاه عدداً من رؤساء الوزراء من جنسيات عربية .
ثم وقعت النكبة في فلسطين في عام 1948 ونزح الى منطقة شرقي الاردن والذي كان قد اصبح المملكة الاردنية الهاشمية ، مئات الالاف من الفلسطينين سكان غربي النهر . وقد احتضنهم الاردن بنظامه وشعبه وعشائره وقدموا لهم الامن والامان . وفي عام 1950 تم تحقيق وحدة الضفتين واصبح سكان الضفة الغربية مواطنين اردنيين .
وفي عام 1954 صدر قانون الجنسية الاردني رقم 6 حيث حددت المادة الثالثة منه من هم اللذين يحملون هذه الهوية ، والذين تم منحهم الجنسية الاردنية وجواز السفر الاردني وكما يلي : -
1 - كل من حصل على الجنسية الاردنية او جواز سفر اردني بمقتضى قانون الجنسية لسنة 1928 وتعديلاته ، والقانون رقم 6 لسنة 1954 وتعديلاته
2 - كل من كان يحمل الجنسية الفلسطينية من غير اليهود قبل تاريخ 15 / 5 / 1948 ويقيم عادة في المملكة الاردنية الهاشمية خلال المدة من 20 / 12 /1949 لغاية 16 / 2 / 1954 .
3 - من ولد لاب يتمتع بالجنسية الاردنية .
4 - من ولد في المملكة الاردنية الهاشمية من ام تحمل الجنسية الاردنية واب مجهول الجنسية ، او لا جنسية له او لم يثبت نسبه الى ابيه قانونا
5 - من ولد في المملكة الاردنية الهاشمية من والدين مجهولين ، ويعتبر اللقيط في المملكة مولوداً فيها ما لم يثبت العكس .
6 - جميع افراد بدو عشائر الشمال الواردة في الفقرة ( ي ) من المادة 25 من قانون الانتخاب المؤقت رقم 24 لسنة 1960 والذين كانوا يقيمون اقامة فعلية في الاراضي التي ضمت الى المملكة عام 1930 .
ثم تتابع مواد القانون وفصوله في بيان كيفية وشروط الحصول على الجنسية الاردنية بشروط الاقامة او التبعية وانه يعتبر الشخص اردني من تاريخ تبلغه قرار الموافقة على طلبه من المرجع المختص . وان اولاد الاردني اردنيون اينما كانوا .
ثم تحدث الفصل الثالت عن التجنس بالجنسية الاردنية وشروطها وإجراءاتها وحصول المتجنس على شهادة التجنس عند توفر كافة الشروط المطلوبة . وقد ورد في المادة الرابعة عشر من هذا الفصل بأنه يعتبر الشخص الذي اكتسب الجنسية الاردنية بالتجنس اردنياً من جميع الوجوه ، على انه لا يجوز له ان يتولى المناصب السياسية او الدبلوماسية والوظائف العامة التي يحددها مجلس الوزراء او ان يكون عضواً في مجلس الامة الا بعد مضي عشر سنوات على الاقل على اكتسابه الجنسية الاردنية . كما لا يحق له الترشح للمجالس البلدية والقروية والنقابات المهنية الا بعد مرور خمسة سنوات على اكتسابها .
وقد جاء في المادة الخامسة من الدستور الاردني الصادر عام 1952 وتعديلاته ، ان الجنسية الاردنية تحدد بقانون . وجاء في المادة التاسعة من هذا الدستور الاردنيون امام القانون سواء لاتمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق او اللغة او الدين .
وقد حدد هذا القانون وهذا الدستور الهوية الجامعة الاردنية والتي تجمع جميع الهويات الفرعية ولا تناقضها . وعلى هذا فقد اصبح اعضاء مجلس النواب نصفهم يمثلون الضفة الغربية ونصفهم يمثلون الضفة الشرقية . ولكن الهوية الجامعة ان ذاك اتاحت الفرصة لابناء الضفة الشرقية ان يترشحوا ضمن دوائر الضفة الغربية وان ينجحوا في الانتخابات ، كما اتاحت الفرصة لابناء الضفة الغربية ان يترشحوا ضمن دوائر الضفة الشرقية وان ينجحوا في الانتخابات .
ولكن وفي عام ١٩٦٧ حصلت حرب حزيران والتي سميت بالنكسة والتي ترتب عليها وقوع الضفة الغربية كاملة وبما فيها القدس تحت السيطرة الصهيونيه مما فرض بعض الإجراءات ومنها تجميد الحياة البرلمانية . كما ترتب عليها سقوط قطاع غزة تحت السيطرة الصهيونية ونزوح عشرات الالاف من سكانه الى الاردن ، حيث تم اعطائهم فيما بعد جوازات سفر اردنية مؤقته لمدة سنتين دون منحهم الجنسية الاردنينة .وفي عام 1988 وبقرار سيادي تم اصدار قرار بفك لارتباط مع الضفة الغربية وتم استبدال جوازات سفر المقيمين فيها بتاريخ فك الارتباط بجوازات سفر اردنية مؤقتة لاربع سنوات من غير رقم وطني . وبناء على ذلك وفي عام 1989 تم اعادة الحياة النيابية الى الاردن وعلى دوائر تشمل ما كان يطلق عليه سابقاً الضفة الشرقية فقط ، مع حق جميع من بقي يحمل الجنسية الاردنية بغض النظر عن الهويات الفرعية لهم الانتخاب والترشح لعضويته ، ولا زال الامر على ذلك حتى الآن .
ومنذ بداية القضية الفلسطينية بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى ، وقفت العشائر الاردنية الى جانب الحق الفلسطيني وشاركت في التصدي للقوات البريطانية والعصابات الصهيونية للحيلولة دون ظهور الكيان الصهيوني في فلسطين ، وقدموا الكثير من الشهداء والتضحيات في سبيل ذلك . كما شارك الجيش العربي الاردني في الدفاع عن الاراضي الفلسطينية في عام 1948 وقدم الكثير من الشهداء على ثرى فلسطين واسوار القدس . ولا زالت جثامين بعضهم تظهر حتى الآن بين الحين والآخر هناك . كما ساند الشعب الاردني المنظمات الفلسطينية التي ظهرت بعد عام 1967 . وانضم الكثير من الاردنيين اليها . الا ان ماحصل في عام 1970 وعلى اثر انتصار الجيش الاردني العظيم في معركة الكرامة ، وانتقال عناصر التنظيمات الفلسطينة الى المدن الاردنية ، وعدم انضباط الكثير منها ، وتدخلهم بالشأن الاردني وحتى في حياة الاردنيين ، واستهدافهم لحياة جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال وافراد الجيش الاردني وعناصره الامنية ، مما ادى الى احداث شهر ايلول من ذلك العام ، وما ترتب عليها من اخراج جميع هذه التنظيمات من الاردن ، ليكون ذلك او شرخ ما بين الهوية الاردنية والفلسطينية في داخل الاردن ، وان لم يؤدي الى مستوى القطيعة النهائية بين الهويتين .
الا انه وفي الفترة الاخيرة ومع محاولة ادارة ترامب لتطبيق صفقة القرن والتي تحمل في طياتها الحل الاردني ، اي ان الاردن هو الدولة الفلسطينة ، فقد زاد مستوى التخوف من تطبيق هذا الحل وعلى حساب الاردن ، بالرغم من تأكيد الاردن الرسمي والشعبي بكافة اطيافه وهوياته رفضه لهذا الحل مراراً وتكراراً ، وبالرغم من تأكيد جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين رفضه لصفقة القرن ورفضه للتهجير وللوطن البديل وحل الدولة الواحدة واصراره على حل الدولتين والوصاية الهاشمية على الاماكن المقدسة في القدس ، ودور جلالته في اسقاط صفقة القرن والحل الاردني .
وعندما شكل جلالة الملك اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية والتي من مهامها اقتراح تعديل قانون الانتخاب وقانون الاحزاب واقتراح تعديلات دستورية مرتبطة بمشروع القانونين حصراً ، ومع انتشار اقوال ان هذه التعديلات سوف تصب في مصلحة التجمعات الكبرى التي يغلب عليها تواجد الاردنيين من اصل فلسطيني ، وعن تضمين قانون الانتخاب نصاً بتشكيل قوائم حزبية على مستوى الوطن . وحيث ان حزب العمل الاسلامي يملك امكانية الحصول على العدد الاكبر من المقاعد الحزبية ، وحيث ان هذا الحزب يضم في عضويته الكثيرين من ذوي الاصل الفلسطيني ، فقد قام البعض بالعزف على وتر الهويات الفرعية ، وان هذا الامر يمكن ان يكون تمهيداً لتطبيق الحل الاردني ، ولذا فقد قامت هذه المناقشات واشتعلت وشارك فيها الكثيرين . متناسين الرفض الاردني الرسمي والشعبي لهذا الحل بما فيهم الاردنيين من اصل فلسطيني والذين يتمسكون في اردنيتهم ولكنهم في نفس الوقت لم يتخلوا عن حلم قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1963 .
صحيح ان هناك من يتبنى هذا الحل ومن يعمل من اجله وخاصة الكيان الصهيوني ، الا ان هذا الكيان فقد الكثير من الدعم العالمي في هذا المجال بما فيه الدعم الامريكي بعد انتهاء عهد ادارة ترامب ، والذي عاد لتبني حل الدولتين . وفي الامس ومن القدس اكدت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل والتي اقترب موعد رحيلها ، ان المانيا لا ترى حلاً الا حل الدولتين ، وهذا ما اكدته غالبية دول الاتحاد الاوروبي ودول العالم . كما ان الاردن ليس هذا الكيان الهزيل الذي يمكن ان يسلم بهذا الحل بهذه السهولة ، ناهيك عن اتهامه بأنه هو من يفعل لتحقيق ذلك الحل . وان افضل طريقة للتصدي لهذا الحل هو تعزيز الهوية الاردنية الجامعة لجميع الهويات الفرعية وانهاء هذه المناقشات العبثية ، فكلنا اردنيين بموجب القانون ومتساوين بالحقوق والواجبات بموجب الدستور . ويجب ان لا نجعل من هذه الهويات الفرعية سداً امامنا بطريق الاصلاح والتحديث .
وحمى الله الاردن وشعب الاردن بكل اطيافه وهوياته الفرعية وحمى القيادة الاردنية وعلى رأسها جلالة الملك المعظم .