الرسالة الثالثة إلى مدير الأمن العام
30-06-2010 01:39 AM
حتى نستكمل عملية بناء استقرارنا السياسي والاجتماعي والأمني، لا بد وأن يقوم طرفا المعادلة بتأدية كل واجباته وان ينال كل حقوقه، دون تقصير في الأولى ودون نقصان في الثانية. وهذا يقتضي قيام تعاون قادر على أن يحقق الهدف، والوصول إلى الغاية المرجوة.ولن يكون ذلك إلا بان تحترم الدولة المواطن، في ذات الوقت الذي يتحقق فيه على هذا الموطن أن يمكّن مؤسسة الدولة من أن تقوم بعملها دون إعاقة، تتمثل في تقديم الخاص على العام.
أخي المدير
في حديثك الهادىء المطمئن السابق، قلت عبارة كلها ثقة بالنفس ومعرفة بدقائق الأمور فجاءت مملؤة بإضاءة وقّادة، وذلك عندما قلت " نحن في الأمن العام نعترف أننا جانبنا الصواب أحيانا". وكنت عندها تتحدث بكل شفافية، الأمر الذي نعتقد معه جميعا، أن المهم عندك هو البحث عن السلبيات وتصحيحها قبل تقصي الإيجابيات والبناء عليها. وهنا أرى أن علينا، نحن المواطنين، الذين نسكن الطرف الثاني من المعادلة، أن نفهم أننا شركاء أيضا في البناء.
وأن علينا أن نفهم أن كل دولة في العالم سواء تلك التي حققت أقصى درجات التحضرّ، أم تلك الذاهبة نحوه والباحثة عنه، لم تستطع أن تستكمل كل المتطلبات، وأن كل مجتمع هو في مواجهة الكثير من التحديات التي تعيق عملية التنمية الشاملة. وعليه، فإنه لا يمكن الوصول إلى حدود الكمال إلا إذا عرف المواطن، أيضاً، أن هناك قانوناً يجب أن يحترمه، وأن هناك أنظمة لا بٌدّ وأن يصدع بها. أما أن نتجاوز الحدود ونخرج على الواجبات فهو أمر لا يمكن السكوت عليه. وعلينا أن نقر، نحن المواطنين أيضاً، أن هناك فئات منا قد إعتدت على الدولة عند كل منعطف، وراحت تفرض نفسها بأنها صاحبة سلطة وجاه وقدرة، على الكل أن يخضع لها. وهنا تكمن الأزمة وهنا يبدأ التحدّي.
أخي المدير
لو عرف كل طرف من أطراف المعادلة، التي ذكرت، أن السكن في هذا الوطن يقتضي، إبتداء، أن نحترم القانون الذي أرتضيناه والذي نصبناه علينا، عندها، فقط، نضع أقدامنا على الطريق الصحيح، وإلا كيف نفسّر هذا الإنفلات؟ ولماذا يلقي منا على الأخر الذنب، وأنه برئ من المساهمة في إشاعة هذه الفوضى التي شهدنا في فترة عصيبة أننا قد مررنا بها؟
المواطن، أخي المدير، مسؤول كما هو رجل الأمن. وعلى عاتقه يقع جزء، ليس بالقليل، من الواجب الذي يجب أن يلتزم به. وكما أنك كنت شفافاً عندما قلت إن بعضاً من المسؤولين يخطئون، علينا أن نكون، نحن المواطنين، صادقين مع أنفسنا، ونقول إننا نخطئ، وأننا نقصّر، أحياناً، ونقترف الإهمال المتعمد والتجني المقصود. وإلا كيف نفسّر ذلك الأنجرار نحو الإصطفافات المجنونة دون وعي ودون تقدير، لحجم الأضرار التي تلحق بالمجتمع؟
أخي المدير
إسمح لي من خلالك، ولكن دون الإختباء خلف ظهرك، أن أقول إن بعض المواطنين هم المسؤولون عن العديد من الممارسات الرعناء التي ولّدت الكثير من الإرباك، والتصرفات غير العاقلة التي قادت مجتمعنا إلى مأزق لا تحمد عقباها. ولذلك فإننا مع رؤياك، التي أستقتيها من توجيهات سيدنا وتوجهاته، والتي قالت إن كل مواطن مسؤول. إن عرفنا ذلك فإننا سنضع المسؤولية في إطارها الصحيح وفي حجمها ومواقعها.
أخي المدير
أظن أن الكرة الآن في مرمى الطرفين، وأن المبادرة يجب أن تكون من كليهما. أما إذا تركناها على عائق أحدنا فإن المعادلة، التي أشرت إليها، ستختل بالضرورة، وعندها سنعود إلى فوضى ليس من السهل ضبطها أو تجاوزها.
وأخيراً لا أقول لك إلا شكراً.