كنت واثقا أن رجال القضاء ليسوا وحدهم في مواجهة القوانين المؤقتة غير الدستورية , وكنت واثقا أن الف باء القانون أن يكون القضاء مستقلا شامخا راسخا حتى لو أخطأ قاض هنا أو هناك فتلك جزئية يمكن تداركها أما ما لا يمكن تداركه فهو أن تشرع السلطة التنفيذية للقضاء في غياب السلطة التشريعية وخلافا لأحكام الدستور , فالسلطة التي لاتراعي أحكام الدستور لن تراعي أستقلال القضاء ولن يكون في مصلحتها أن يقف القضاء حكما عادلا بينها وبين حقوق الاخرين , ولن يكون من مصلحتها أن يكون القضاة في منأى عن سيف الاحالة الى التقاعد أو أنهاء الخدمات بدون أبداء الاسباب وبدون مؤسسية واضحة , ولن يكون في مصلحة جهات داخلية وخارجية أن يكون في الاردن سلطة قضائية قوية عصية على الاختراق بعيدة عن الشللية ومستقلة .

وهذه المرة أيضا مثل كل قضية وطنية تبدأ الاستجابة من الكرك فيتحرك رجال القانون الزملاء في محافظة الكرك فيعلنون التوقف عن المرافعة أمام المحاكم لمدة ساعة تضامنا مع أحتجاجات مئات القضاة ضد قانون أستقلال القضاء وقانون النيابات العامة والقوانين الموقتة غير الدستورية.

من الكرك تكون المبادرة دائما ويكون السبق والحس الوطني المرهف واستشراف المخاطر التي تتهدد قضاءنا الذي بنى استقلاله ومنعته وكفاءته رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه رافعا رأسه مسجلا صفحة بيضاء في تاريخ القضاء والعدالة الاردنية , ومنهم من أطيح به في ليل فعاد الى بيته مرتاح الضمير أسفا على ترك مرفق العدالة نهبا لتدخلات ومحاولات السيطرة والتفتيت والاختراق , وهم يختزنون في الذاكرة أسرار جرائم التدخل في القضاء ومحاولات الحاقه بوزارة العدل على مر سنوات طويلة , ناضل خلالها كثيرون من القضاة والكتاب والمحامين حتى انتزعنا سحب صلاحية وزير العدل بالتنسيب باحالة أي قاض الى التقاعد , وحافظوا على بقاء الجهاز القضائي جسم واحد متكامل رغم وجود المحاكم الاستثنائية والسلطات الاستثنائية القادرة على سحب أي قضية من بين يدي القضاء النظامي , الى أن جاءت القوانين المؤقتة الاخيرة التي قال فيها مئات القضاة الشباب أنها ( حولت القضاء الى مديريات ملحقة بوزارة العدل ).

ليست الخطورة أيها الزملاء فقط في صدور القوانين المؤقتة وانما في القرارات والاجراءات التي ستصدر بموجبها وتظل سارية حتى لو جاء مجلس النواب ورد تلك القوانين فان كل القرارات التي صدرت بالاستناد اليها تكون سارية وصحيحة ولا يجوز الغاءها !! فماذا لو جرى أستغلال الاشهر المتبقية التي تسبق انعقاد مجلس الامة الى أن يتاح له عرض ومناقشة تلك القوانين – ربما بعد عام أو أكثر – بالاطاحة بجمع كبير من قضاتنا المحتجين تحت مظلة أمتحان أو مقابلة .. الخ ؟؟ وماذا لو تم تعيين عشرات القضاة ممن هم في سن الخامسة والعشرين ولما يعرفوا من الحياة حلوها ومرها وغنيها وفقيرها ؟؟ وماذا عن ادارة قضايا الدولة الجديدة ؟؟؟ .

ان أثار القوانين المؤقتة لاتزول بردها من قبل مجلس النواب وهي كفيلة بتغيير السمة العامة للقضاء الى سنوات طويلة.

تحية الى الزملاء المحامين في محافظة الكرك فقد أثبتم كما هو العهد بكم أنك رجال قانون بكل ما تحمله الكلمة من معان نبيلة .