تبرز مدينة العقبة كمدينة اقتصادية سياحية حديثة متطورة بسبب موقعها الجغرافي كمنفذ بحري وحيد للمملكة، ورغم التطور الحاصل فيها منذ تولي سلطة منطقة العقبة دفة الأمور، إلا أن الجانب البيئي فيها يحتاج إلى مزيد من العناية والشغل؛ خصوصا وأن شواطئ العقبة تشكل محميات بحرية نادرة ومهمة وتحتاج إلى مزيد من الاهتمام والحماية؛ وهذه الحماية تحتاج إلى تشريعات وقوانين ناظمة وإدارة بيئية كفؤة، تضع على عاتقها مسألة الحفاظ على المحميات البحرية الطبيعية إلى جانب الحفاظ على البيئة العامة في المدينة التي تعد سياحية اقتصادية بامتياز، فهناك مكاره بيئية تنتشر على الشواطئ وفي الأحياء السكنية وقرب الشواطئ، وهناك تشوهات بصرية واضحة للعيان وانتشار عشوائي للباعة والبسطات، وحتى عملية التدفق السياحي الأجنبي أو المحلي الذي يبدو أنه يسير بشكل عفوي أو فوضوي؛ بسبب عدم وجود مرجعية تنظم تلك العملية وتوفر الحماية الكافية والمعلومة الضرورية والارشادات الكافية لمرتادي العقبة.
هذا يدفعنا إلى مراجعة القوانين والأنظمة والتعليمات والسياسات التي تتبناها سلطة العقبة من خلال أقسامها البيئية، ومراجعة العلاقة بين السلطة والمؤسسات ذات العلاقة في الشأن البيئي، ويدفعنا أيضا الى التساؤل: هل يوجد نظام لحماية البيئة البحرية والبرية في العقبة، هل تتوفر حملات إرشادية بيئية ؟ أنا لم ألاحظ أيا من ذلك خصوصا قرب مواقع الاكتظاظ السياحي؟ هل يوجد نظام يفصل العقوبات والغرامات المتعلقة بالمخالفات البيئية؟ ويحدد قيمها بحسب حجم ونوعية المخالفة ومستوى خطورتها؟ وما هي طبيعة الصلاحيات لدى المسؤولين في تخفيض قيمة المخالفة أو إعفاء مرتكبها؟ إذ بحسب الاطلاع تبين أن عملية الإعفاء تسير بدون سند قانوني، وهل توجد محكمة بيئية أو قضاة بيئيون متخصصون في النظر والبت في المسائل البيئية؟ لا اعتقد ذلك، لأن الواقع والرصد الميداني يؤشر الى عكس ذلك، إذ لاحظت وبشكل شخصي وجود تلوث كبير في الشواطئ، وقمت بجمع بعض المعلومات التي قادتني الى هذا الاستنتاج.
كنت في فترات سابقة وجهت أسئلة لسلطة العقبة تتعلق بعمليات نقل المرجان على الشواطئ التي أنشئت عليها أرصفة موانئ جديدة، وبعد ورود الإجابات؛ توصلت الى استنتاجات عديدة ابرزها: ضعف الدراسات الفنية في هذا الجانب، قلة الخبراء البيئيين في سلطة العقبة، عدم وجود دراسات فنية دقيقة توضح حجم المساحات الموجودة من المرجان الرخو، عدم قيام السلطة أو شركائها بعمليات تنظيف جوف البحر في المناطق البحرية الجنوبية المتاخمة للساحل بشكل كافٍ، أو يبدو أن حملات التنظيف موسمية وغير كافية، عدم وجود شراكات فاعلة ما بين السلطة ووزارة البيئة والمؤسسات الحكومية ذات العلاقة، عدم وجود آلية واضحة لاستيفاء الرسوم البيئية المفروضة على حمولات البواخر في الموانئ، وهذا من صلاحيات ومسؤوليات سلطة العقبة ووزارة البيئة ودائرة الجمارك.
إن من الضروري أن تقوم سلطة منطقة العقبة وبالتعاون مع المؤسسات ذات العلاقة؛ بتصويب الاختلالات البيئية القائمة، سواء فيما يتعلق بالبيئة البحرية وهي الأهم، وإيلاء المحميات البحرية العناية الكافية،أو فيما يتعلق بالتلوث البصري الناتج عن انتشار بعض العشوائيات قرب الشواطئ، أو فيما يتعلق بالنظافة العامة، أوانتشار الزوار المحليين على الأرصفة والشوارع بطرق غير قانونية، أو فيما يتعلق بالجانب التشريعي من خلال مخاطبة الجهات المعنية لإنشاء غرفة بيئية أو محكمة بيئية تتولى الفصل في القضايا البيئية بدون أي توسطات أو محسوبيات، إلى جانب استيفاء الرسوم على الحمولات وتحويلها لخدمة البيئة العامة.
الدستور