النوع الاجتماعي وتعميم وزارة التربية والتعليم
فيصل تايه
10-10-2021 09:02 AM
ما دفعني للحديث حول موضوع "النوع الاجتماعي" الذي أثير مؤخراً ، وما ذهب اليه البعض من تفسيرات تخرج في سياقها عن الأهداف المتوقع تحقيقها ، خاصة ما هو متعلق بالتعميم الذي صدر من وزارة التربية والتعليم والموجه إلى مديرياتها في مختلف المحافظات لتنفيذ برنامج تدريبي للمعلمين والمعلمات حول "إدماج النوع الاجتماعي في التعليم والبيئة المدرسية" ، والتأكيد على سمو العلاقة بين الرجل والمرأة وتكاملها ، وتكافؤ الفرص والعدالة والمساواة بينهما ، وتعزيز هذه الثقافة ، لكن بالرغم من ان مصطلح النوع الاجتماعي ما زال حديثا نسبياً ، وعلى الرغم ايضاً من ادعاء غرابته عند البعض لكن المضامين التي يتضمنها موجودة في داخلنا ونفكر فيها دوما لنخرج بإستنتاجات تلامس الواقع والاهداف والغايات .
لقد لاحظنا أن ذلك التعميم الذي انتشرت نسخة منه على مواقع التواصل الاجتماعي ، وبفعل ما ذهب البعض إلى الترويج له قصداً ، قد آثار حفيظة بعض المواطنين ، ما اعتبره البعض أن المقصود بالنوع الاجتماعي وحسب تفسيرات ضيقة هم "الشواذ جنسيًا " ، مدعين أن مثل هذه الدورات ستسمح بتحويل الطلبة إلى شواذ أو شرعنة حياتهم بيننا -لا قدر الله- ، متناسين ان وزارة التربية والتعليم تمتلك عقداً سلوكياً واخلاقياً والتزاماً دينياً واجتماعياً وعقائدياً ينبع من دستور المملكة الاردنية الهاشمية ، لكن فهمنا للموضوع يجب أن يأخذ اتجاهه الصحيح ، والمهم ان نضع العبارات والمفاهم الخاصة بهذا الموضوع في سياقاتها الصحيحة ، فالعلاقات والأدوار الاجتماعية والقيم التي يحددها المجتمع لكل من المرأة والرجل ، وتغير هذه الأدوار والعلاقات والقيم وفقا لتغير المكان والزمان ، وذلك لتداخلها وتشابكها مع العلاقات الاجتماعية الأخرى .
اننا ونحن نطرح هذا الموضوع يجب أن ندرك تماماً أن من الواجب اشاعة الثقة بالتربويين في وزارة التربية ، ومدى حرصهم على ابنائنا وبناتنا الطلبة والطالبات ، فما ذهب إليه البعض من تحليلات ما هي الا مصدر للفتنه والتحريض الهدف منها الاستمرار في محاولات مفلسة لايقاع وزارة التربية والتعليم في ارباك متعمد ، فالموضوع خرج عن مساره الأساسي المرجو ، وبالمختصر المفيد ، ان هناك العديد من الدراسات التحليلية التي كشفت وجود بعض الفجوات الكبيرة في اعتبارات المساواة بين الجنسين في التعليم في الأردن وفق تقارير اليونسكو ، فمثلاً شغول عدد قليل من الإناث مناصب صنع القرار في الوزارة ، بسبب مواجهتها لعدة عوائق اجتماعية والتزامات أسرية وغيرها ، واظهار الفروق في التفوق أو النشاط بين الطلبه الذكور أو الطالبات في تحصيلهم العلمي او حتى اشراكهم في نشاطات تربوية منهجية اولامنهجية قد تميز بينهم ، وما إلى ذلك من مفاضلات ومفارقات ، وبذلك فقد بدأت وزارة التربية والتعليم عام ٢٠١٨ بتطوير وتطبيق خطة استراتيجية تكميلية لتعميم النوع الاجتماعي في التعليم عن طريق تقييم مؤسسي وتحليل قائم على النوع الاجتماعي .
ان برنامج التدريب على هذا البرنامج يتضمن الحديث عن الاتفاقيات الدولية المتعلقة بنبذ العنف ضد المرأة ، ولا يمكن ان تخالف الشريعة الإسلامية ، فضلاً عن أن المحاضرين في الدورة هم أساتذة شريعة ومشرفين تربويين واستاذه أفاضل ، ولا يمكن لوزارة التربية والتعليم أن تسمح القيام بأنشطة تعليمية مخالفة لفلسفة التربية ، حيث يتم التدريب بسلاسة وفاعلية دون وجود أي شروط من الحكومة الكندية الممولة للمشروع ، وكما يدعي البعض ويروج ، فلنكن مطمئنين أن الوزارة ملتزمة مع فلسفة التربية والتعليم والشريعة الإسلامية وعادات المجتمع الأردني وأعرافه ، وان وزارة التربية تدرك ضرورة مراعاة اختلاف الاحتياجات بين الطلبة والطالبات ، حيث أن هدف الدورات يتمثل في مساعدة المعلم على تصميم أنشطة تعليمية تراعي الاختلاف بين الجنسين .
اعود إلى القول ان الهدف الذي جاء من أجله هذا البرنامج في وزارة التربية والتعليم هو توضيح المقصود بالنوع الاجتماعي ، والذي يجب أن يترادف معه مصطلحا تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية كما سبق واشرت ، ما يؤدي إلى تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في جميع النواحي ، اضافة لضرورة الحد من التمييز القائم على الجنس ، ما يدعونا لضرورة فهم تأثير العمليات التنموية بشكل مختلف على الرجال والنساء ، ففيما تخلق الفوارق الجنسية البيولوجية بين البنات والأولاد التي تتمثل في حملهم لأعضاء جنسية مختلفة لكل منها وظائفها كالإنجاب والإخصاب ، نجد فروقات أخرى تظهر مجتمعياً ، ولا علاقة لها بتلك الأعضاء ولكنها ترتبط بالأدوار المتوقعة التي يرسمها المجتمع ونظرة هذا المجتمع لها ، فلست ادري كيف شكلّ هؤلاء علاقة دورات إدماج النوع الاجتماعي بالشواذ جنسيًا ، وكيف يخطر بالبال ان هذأ البرنامج التدريبي مرتبط للترويج للشواذ جنسيًا ، رغم ان هذا البرنامج ليس وليد اللحظة بل ينفذ في وزارة التربية والتعليم منذ عام ٢٠١٠ ، ويقع ضمن استراتيجية النوع الاجتماعي التي تنفذها وزارة التربية بدعم من اليونيسكو وبتمويل من الحكومة الكندية لتصحيح مفهوم النوع الاجتماعي من كونه مرتبطا بحقوق المرأة فقط ليشمل إعطاء كل ذي حق حقه سواء ذكر أو أنثى .
يجب ان نؤكد أن الهدف من البرنامج هو نشر التوعية فيما يتعلق بالتقسيمات الموازية وغير المتكافئة اجتماعيا بين الذكورة والأنوثة ، فتحديد الأدوار والسلوكيات وفق ثقافة وأفكار ووفق تلك التقسيمات يؤدي إلى تبرير هيمنة فئة على أخرى بدعوى أنها تفوقها في إعمال العقل وضبط النفس والتحكم بالمشاعر وهي بالتالي جديرة بالإمساك بمقاليد الأمور والسيطرة ، وفي ذلك فلا بد من التوجه نحو أهمية دور المرأة وضرورة إشراكها في عملية التنمية حيث سيؤدي ذلك إلى فشل المشاريع التنموية ، وان تلك التقسيمات الاجتماعية والطبقية كلها تعود إلى ما تعرضت له المرأة عبر التاريخ من اللا مساواة والاضطهاد ، وإن هذه اللا عدالة من التمييز بين البشر والمجتمع ، والذي هو صنيعة نظم أبوية قابلة للتغيير بحيث تأخذ المرأة دورها خارج ما رسمه لها المجتمع التقليدي ، وتستطيع أن تغير فكرتها عن نفسها في ذهنها وفي ذهن الرجل ، فالتوازن الطبيعي والمشاركة له أهمية فائقة للجنسين ، وكل من الرجل والمرأة يملكان أدوارا يجب أن لا يطغى أحدهما على الآخر ، ولا يتحكم به لكي يكون في انسجام وسلام مع الإنسانية ومع الحياة والطبيعة ، وهذا ما دعى له ديننا الحنيف .
واخيراً فإن النوع الاجتماعي المقصود في هذا السياق ليس سيطرة لجنس على الآخر ، ولا تدمير الأسرة، ولا نفي للقيم الإيجابية ولا المساواة المطلقة، والنوع الاجتماعي ايضاً لا يعني تخلي المرأة عن رعاية أبنائها ولا التخلي عن أنوثتها ، أو تقليص دور الرجل ، لكننا نتطلع الى أن يكون النوع الاجتماعي بمعناه الشامل تكامل الأدوار وليس انتقاصها، بل ويعني إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة واحترام وجودها في كافة المحافل والميادين .
والله من وراء القصد