معان ومحاور عديدة تلك التي تستحق ان يكتب عنها عندما يحين وقت التأريخ لتجربة لجنة تحديث المنظومة السياسية، منها: كيف أن الدولة اتخذت تلك الخطوة الاستراتيجية وهي في أعلى حالات القوة السياسية بعد أن تغلبت على ضغوط صفقة القرن والربيع العربي وسورية والعديد من الأزمات الداخلية والخارجية بنجاح، ما هي قناعات وأسلوب عمل الدولة الأردنية الاستراتيجي وكيف ان ذلك كان وما يزال أهم ما ميز الأردن عبر تاريخه مقارنة بدول عديدة أغنى وأقدر منه ارتكبت قياداتها أخطاء أودت بحياة دولهم، كيف أن قيمتي الاتصال والتنسيق باتا سر نجاحنا في مواجهة الأزمات والتعامل مع الاستحقاقات الوطنية، لماذا وكيف تمكن الأردنيون من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار من الجلوس معا على طاولة واحدة يناقشون أكثر الأمور السياسية حساسية وينتهون للالتقاء في نقطة وسط بين تبايناتهم، ما سر قوة ورسوخ قيم المجتمع النبيلة التي جعلت الطيب والاحترام والإيجابية والألفة والنبل شيما للأردنيين عندما يلتقون حتى لو اختلفوا في السياسة، ما ما جعل التحديث السياسي هدفا ليكون من أهم عناوين المئوية الثانية.
هذه المحاور وغيرها لا بد ان يتناولها من سيؤرخ ويوثق لتجربة تحديث المنظومة السياسية، التي ارادها الملك عنوانا من عناوين المئوية الثانية تستحضر روحية البناء والتصميم والتضيحة والإيمان بالأردن بلدا وقدرا، التي عرفت سلوك البناة الأوائل الذين بنوا وطنا عظيما شامخا بات ينظر له بمهابه ويشار له باحترام.
احتضن الديوان الملكي العامر أعمال اللجنة، وقدم خيرة شباب وشابات الوطن الدعم النوعي السياسي والإعلامي واللوجستي، فكانوا ممثلين لمعدن هذا الوطن الأصيل، وتعبيرا عن قيم الأردن من كفاءة ومثابرة واحتراف. واستقبلت بيوت ومؤسسات الأردنيين اللجنة ورئيسها وأعضائها، وكان الاشتباك نوعيا وعميقا وصريحا ومتقدما، نتفق أو نختلف، ولكننا جميعا نتسابق ونتنافس لما فيه رفعة الوطن وسمو الأردن. اللجنة، منذ تشكيلها ولغاية تسليم أعمالها، خلقت أجواء تفاعل صحية كانت سلبية في البدايات، ثم نحت بالاتجاه الإيجابي، ولو لم يكن لها أي إنجاز إلا خلق الأجواء الإيجابية لكفاها ذلك، فقد استبيح الوطن وناسه من أبواق السلبية والتسويد التي لا تكل ولا تمل، تحاول دوما النخر في عقول الأردنيين وتسويد وطنهم العظيم أمام أعينهم. التجربة علمتنا ان الاشتباك ممكن، وخلق الإيجابية ومكافحة السلبية ضرورة وليس مهمة مستحيلة. اللجنة شكلت نواة لما يمكن ويجب ان يكون علية ابناء الوطن، وكيف انهم يستطيعون ادارة تبايناتهم السياسية بإقتدار.
مع تسليم أعمال اللجنة لجلالة الملك، المهمة تبدأ ولم تنته، فواجب كل من ساهم او اقتنع بمنتجات اللجنة ان ينخرط بالبناء السياسي القادم، خاصة على جبهة انشاء الاحزاب البرامجية، التي ستكون عنوان وأسلوب عمل التداول السياسي في الأردن. وقيميا، علينا جميعا ان ندافع ونرسخ ثقافة الحوار، وقبول التباين والاختلاف، التي اثبتت تجربة اللجنة انها الأسلوب الأردني الأفضل والأقدر على خلق التوافقات، والتخطيط معا لمستقبل بلدنا الذي ننشد.
(الغد)