انتهيت مؤخرًا من قراءة كتاب وُسم بغير وجه حق على أنه مذكرات للتربوي الجدلي الدكتور ذوقان عبيدات ، و مرد نفيي لوصفها بالمذكرات أن ذلك الوصف ينتقص من قيمتها و من قيمة محتواها و الذي يصلح كتحفة فنية حربية تضج بسليل السيوف و غبار معاركها التي تتطاير من حرتا إلى باريس مثيرة جدلًا لا ينام و لا يكل.
عند البدء في مقدمات تلك الحرب الورقية لا يملك المرء نفسه و لا عقله إلا أن ينساق مجبرًا للدخول في تفاصيلها الإستثنائية و لا بد أن تناله قطرات من دماء كاتبها أو من سالم وحارب ، فالرجل أغرق بالموضوعية حتى اختفت ملامح كل شيء في تلك السطور عدا جدلية ذوقان.
و كثيرة هي تلك الأمور التي بين جنبات ذلك الكتاب التي في قراءتها كشف و سبر لأمور ربما لا تصلح أن يمر عنها المرء مرور الكرام بل تكبلك بسلاسلها الصادمة حينًا و المُحيرة احيانًا فهي اشتباك حار مع السلطة و المجتمع يقترب في أعلى نُسقه من الفضيحة و يذوب في أدناها إلى الرقة التي طبعت ملامح ذلك الحرتاوي المتمرد و الذي تختلط مشاعرك تجاهه و تستقر على معادلة نادرة بأنك" تكره انك تحبه".
ويكفي تلك الصفحات المسماة مذكرات تجاوزًا أنها في صفحتها (١٥٣ )ألقت لنا دروسًا في العمل الحكومي في (٢٨ )حكمة زُهيرية و التي تصلح كمُعَلقة لا بد لكل مشتبك في عمل عام أن يقرأها و يقف عندها و معها طويلًا لعله ينال ما نال ذوقان من شهدٍ أو يتجنب ما ذاقه من لسعات تمرده و تأصل البيئة الفاسدة المفرغة من الموضوعية حينًا و المنطق احيانًا كثيرة و التي أحاطت به أو ربما أحاط نفسه بها.
كثيرة هي السير الذاتية و المذكرات التي تتطاير في سماء النخبة و العامة و أكثر عبارة يرددها الجميع عند تناول تلك المؤلفات هي " كذب ، كاذب ، خرف ، تخريف ، و أنا أزعم أن ذوقان قد تجاوز كل تلك الكلمات بنسق متصالح مع نفسه اختلفنا أو اتفقنا معه ليكون بحق معلم متعلم يختلف عن غيره و غيره يختلف عنه ، أضاف لنا جدلية و مدرسة فكرية سيُعزى له يومًا فضل إرساء قواعدها و سنحارب كثيرًا للحد من أثرها الذي يناقض كثيرًا مما نعتقده أو نعتقد أننا نعتقده.