الهروب للأمام .. فشل أم محاولة لتصحيح الواقع
د. أميرة يوسف ظاهر
08-10-2021 07:21 PM
يكمن السر في هذا الموضوع في إسقاطه على الكثير من مناحي الحياة المتعلقة بالأفراد والجماعات، إذ أن الهروب للأمام يتم وفق مقتضيات نفسية وعقلية لها علاقة بالتربية والعقائد المختلفة فكرية ودينية، فهو يتعلق بالإسراع للوصول إلى خط النهاية بسرعة مع عدم تبصر بالنتائج، ومع أن الذهاب إلى الأمام يكون هو الحل لصعوبة البدايات وألمها، إلا أن علينا تلمس الخطوات فالمستقبل مفتوح على احتمالات كثيرة وغير مضمونة النتائج، وهناك الكثير ممن تراجعوا وهم يتقدمون على البدايات الأليمة لخوفهم من المستقبل بكل اتجاهاته وتأثيره.
ويرى البعض عكس الهروب للأمام هو العودة لنقطة الانطلاق، وهذا تراجع وقد يكون العكس هو التصحيح بالعودة إلى منطلقات آمنة، فعلى سبيل المثال: بينما تذهب بعض النساء المقهورات اجتماعيا واقتصاديا لممارسة حرية غير منضبطة، تذهب أخريات لبناء حياة تتفق مع توجهاتهن الفكرية والعملية على نحو يخلق داخلهن حياة سعيدة، مما يجعلهن قد اخترن تصحيح البدايات، وهذا ذهاب للأمام وهنا لا يكون هروبا، ولكن يتمتع بعض الأشخاص بجرأة تمنعهم من العودة لنقطة الصفر.
إن قرار العودة للخلف هو قرار كلاسيكي لا يتسم بالتجدد أو الحيوية، ولكن يمكن أن يكون الحل الوحيد والمتاح لنواحي وظروف خاصة، وذلك لصعوبة الهروب، وعدم معرفة النتائج وخطورتها، وفي حال صعوبة البداية فالهروب يكون قرارا حكيما مع تصحيح وتبصر وهنا ندعوه ذهابا للأمام بخطوات غير متسرعة.
وقد يبالغ بعض الأفراد في نظرية المؤامرة على الصعيد الشخصي، وآخرون يعتمدون الكتمان المبالغ فيه خوفا من الحسد والعين، ويربطون فشلهم في بعض أعمالهم بسبب اعتقادهم أن هناك آخرين يقومون بعرقلة جهودهم، ويذهبون بعيدًا في تفكيرهم، وهذا هروب للأمام، أن هناك من سيقوم على وضع أخطاء في بياناتهم، ومن سيسرق نجاحاتهم، فيقومون على تصفية المشكوك فيهم، وعلى وضع خاصتهم ومن يثقون فيهم، ويمارسون في وضع حصن منيع حولهم، باستخدام موازنات خاصة، فيقعون في الفساد والخطأ. وفي إطار آخر يعتقد بعض الأشخاص أن أناس من ذويهم يعملون على إفشاء أسرارهم فيعمدون إلى الرد بالمثل وإلى قطع علاقاتهم أو الانتقال لمستويات أكثر رسمية وهذا هروب للأمام غير مأمون العواقب.
وفي مستوى الجماعات وعلى الصعيد السياسي، تعمد بعض الدول إلى مهاجمة دول أخرى للمبالغة في الخوف؛ وبسبب تقارير غير دقيقة كما حدث للولايات المتحدة بعد احتلال العراق وأفغانستان وفيتنام، إذ كان الحل لهذه التقارير الزج بجنودهم في حروب غير مضمونة العواقب انتهت بقتل جزء كبير منهم. وفي صعيد نظرية المؤامرة الدولية قام الكيان الغاصب لفلسطين بقتل العرب والفلسطينيين متذرعا بالمحرقة، إذ بدت وكأنها مبررًا لقتل الآخر والإحلال مكانه. وتعمد الدول الغربية باسم الاستعمار أن تلجم المد الإسلامي بأشكال مختلفة وذلك لاعتقادهم بأن الإسلام سيكون إحلاليا ودمويا؛ فما كان يصوره مؤرخو العصور المختلفة هو الذي جعل العلاقة بين الشرق والغرب غير سليمة.
وفي الإطار الثقافي والعلمي هناك صور مختلفة للهروب للأمام ومنها الاهتمام بالشكل على حساب المضمون ما يجعل الأمم والدول تسير بالطريق غير الصحيح، فالاهتمام المبالغ فيه بالتراث على حساب المضمون الحضاري تجعل من الدول تصرف على مشاريع في غاية التسطيح على حساب مشاريعها التنموية الحقيقية والتي تهتم بالإنسان وبقاءه، فالمدارس الجميلة باحتفالاتها ومهرجاناتها واللباس المعتمد فيها يجب أن لا تتجاوز مناهجها ونوعية التدريس فيها، وطلبة الدراسات العليا يجب أن لا يذهبوا لتبني موضوعات لا تصب في الصالح العام على حساب الموضوعات التي تهم المجتمع وتطوره، وهذا يتطلب جهودا جماعية للجامعات ومراكز البحث العلمي والدراسات، فلا يمكن الاتفاق على تبني أبحاث لدراسة صوت حيوان ودفع أموال طائلة على انقراض بعض الحيوانات، والتخلي عن دراسة كيفية وقف المجاعات والتصدي لجيوب الفقر والفساد.