تحدثت سيمون دي بوفوار منذ الخمسينات عن الهيمنة الذكورية وكيف أنها بدأت مع اكتشاف الزراعة حيث حدث الانكسار التاريخي في حياة النساء مع بداية السيطرة الذكورية وكأي سلطة، لن يتنازل صاحبها عنها طوعا، ومن هنا بدأت حركات حديثة تطالب – ليس باستمرار سلطة المرأة – بل بالاعتراف بالمساواة من خلال الاعتراف بكرامتها كإنسان.
هذه المقدمة ليست للتفلسف، فالنوع الاجتماعي كان هاجسا لكل فيلسوف ومفكر من أرسطو وأفلاطون مرورا بماركس وهيغل ووصولا إلى الحركات الجندرية الحديثة. حيث بدأنا نسمع أصواتا من مثقفين ومفكرين وأساتذة جامعة، وربما أصحاب مراكز مرموقة في حقوق الإنسان يحذرون من الجندرة، والآثام التي ترتكبها وزارة التربية في تدمير الأخلاق المجتمعية من خلال المساواة الجندرية.
الذكور وتحت شعار أخلاقي يشعرون بتهديد سلطتهم وتفوقهم إذا ما انتهت سيطرتهم، فاستعانوا بالقيم الأخلاقية والدينية لوقف حركات التربية والتعليم، والأصل في ذلك الدفاع عن الهيمنة الذكورية.
والهيمنة الذكورية هي ممارسات إضفاء الشرعية على مركز الرجل المهيمن، وتبرير تبعية النساء له، وقد تجسدت هذه الهيمنة بقوانين وسلوكات وأفكار تبرر هذه السيطرة، ونشوء المركزية الذكورية وهي الأخطر، والتي تعني : سيطرة الرجل على القرار الأسري والقانوني والمجتمعي والسياسي، وبذلك تولدت منظومة متكاملة من المركزية الذكورية تحت غطاء ديني أخلاقي قانوني ثقافي متماسك.
عودة إلى ما ينشر عن حركات النوع الاجتماعي، فقد سلك أنصار المساواة عبر المناهج الدراسية، ولكوني طوال حياتي أؤمن بهذه المساواة، فقد طالبت منذ سنوات بإعادة الاعتبار إلى المرأة في المناهج الدراسية، ومما قلت:
-المرأة إنسان كامل ومستقل ولا يجوز أن تقدم بغير ذلك، كتابعة للرجل أو مضافة إليه :
فالمرأة ليست أخت الرجل وزوجة الرجل وأم الرجل بل هي إنسان كامل كالرجل العظيم نفسه! وبناء عليه، طالبت بأن ننشر إنجازات المرأة في المناهج كإنجازات الرجل، فإذا تحدثنا عن لاعب كرة القدم فعلينا التحدث عن لاعبة كرة القدم، وإذا تحدثنا عن المطبخ فإن علينا أن ندخل الذكور إلى المطبخ وليس النساء فقط .
طالبت أن تكون المساواة عددية ونوعية، وأن لا يقدم الرجل في دور نمطي : مديرا ، رجل أعمال ..الخ وتقدم المرأة كسيدة منزل أو مطبخ!!
لا أدري من المتضرر في ذلك ! ومن يتضرر إذا تحررت المرأة، وتحرر المجتمع من مفاهيم لم تخدم يوما إنسانية الحياة !!.
ففي التعليم وغير التعليم، تعني الجندرة كرامة المجتمع واستقلال كل فرد فيه، وشراكة كاملة في بنائه وهذا ما أؤمن به وأدافع عنه.
ملاحظة:
من سخريات القدر أن برامج النوع الاجتماعي يسيطر عليها انتهازيون لا يؤمن بعضهم بالمساواة، ومن السخريات الأشد أنني تركت دوري في برنامج تربوي بسبب انحياز البرنامج إلى شخص رفض بشدة ما أسماه بالخرف الجندري، بل رفض إدخال الولد مع أمه إلى المطبخ.
فالانتهازية تملأ الفضاء والعمل في بلادنا، فكل برنامج مزرعة !! وبالمناسبة، فإن القائمين على برامج الجندرة يعشقون البحر الميّت !!