بداية، وحيث ولسوء الحظ مثلبة التشكيك جاهزة سالفة في معظم إن لم يكن كل ما يكتب، فلا بد لي من أن أقول سلفا "والله بالنية أعلم"، أن لا غاية ولا دافع من وراء حكيي هذا، سوى محبة الأردن والحرص الشديد على سلامته وأمنه وإستقراره وبكل من فيه وما فيه، شعبه وقيادته وعرشه الهاشمي ومنجزاته وحاضره ومستقبله.
أولا: الدولة القوية الواثقة من نفسها ومن سلامة مواقفها وقرارتها ومجمل سياساتها الداخلية والخارجية، لا تتأثر إطلاقا بمقال أو معلومة أو إشاعة تنطوي على تهمة لها أو هي تحاول النيل من صلابتها أو تسعى لزعزعة أمنها.
ثانيا: الدولة القوية وهذا ثابت تاريخي في مسيرة سائر دول الأرض منذ فجر الخليقة، تستقوي بشعبها الملتف حولها الواثق بها المطمئن تماما لمسارها والمشارك كله في إدارة شؤونها, دونما إقصاء أو تهميش لأي من مكوناته الجغرافية , ثم بعد ذلك تستقوي بحلفائها الذين تتبادل معهم المصالح على قاعدة التكافؤ والإحترام المتبادل والمعاملة بالمثل, وعلى نحو لا ينتقص أبدا من مقومات سيادتها وحضورها بصورة تغضب شعبها منها, أو تدفعه للتشكك بمواقفها.
ثالثا: الدولة القوية تبني قرارتها صغيرها وكبيرها بناء على قاعدة معلوماتية علمية موضوعية مدروسة توفرها مؤسساتها المختصة, وفي الطليعة منها المؤسسة الأمنية "المخابرات العامة", وليس ببعيد عنا أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية, هي من توفر المعلومة وأرضية القرار في أكبر وأقوى دولة اليوم على الكوكب.
رابعا: منذ تأسيس الدولة الأردنية الحديثة في هذا الجزء الحيوي من الشرق الأوسط, كانت المخابرات العامة وبتسمياتها القديمة والجديدة, هي المزود الرئيس والأول للمرجعيات السياسية وعلى رأسها "الملك" رأس الدولة, بالمعلومات والمقترحات والنصائح في سائر أمور الدولة وبالتعاون مع المؤسسة العسكرية "الأمن العسكري", وظلت هاتان المؤسستان العسكريتان موضع ثقة مطلقة أنسجاما مع واقعهما العسكري المنضبط الذي لا يعرف للوساطات والمحسوبيات والمصالح الشخصية سبيلا في العمل المنزه عن كل المثالب والأمزجة والأهواء .
رابعا: ولأن منتسبي هاتين المؤسستين الكريمتين لا يمكن أن يكونوا ملمين بكل العلوم وبكل ما يخدم الدولة في قراراتها, كانوا لا يتوانون عن الإستعانة بآراء من يعتقدون أن لديهم الخبرة والرأي السديد, فيدعونهم فرادى وجماعات يعرضون أمامهم بعض ما لديهم ويستشيرونهم في شؤون البلاد والعباد, وذلك من باب الإستزادة بالرأي وبالمعلومة وبالنصيحة وبالخبرة أيضا, وهذا هو ديدن كل مؤسسة وطنية نابهة تؤمن بأن الرأي مشترك بين أبناء الوطن الواحد.
خامسا: ويبقى السؤال الأكبر , ترى من يصنع الرأي العام في المجتمع, ومن يوجهه الوجهة الصحيحة التي تحميه من تأثير الإشاعات المخاصمة للدولة والمعلومات الموجهة التي تريد بها شرا, ومن يسهم في تحصينه في مواجهة تلك الشرور التي صارت "طوفانا" هادرا في زماننا الراهن الذي صار الكوكب فيه أشبه ما يكون بصالون جلوس مشترك للبشرية كلها وليس قرية صغيرة كما كنا نصفه قبل عقدين من الزمن.
سادسا: شخصيا, والله أعلم, أرى أن من يصنع الرأي العام وفي الأردن تحديدا, ثلاثة أطراف رئيسية هم:
أ: الملك , قائد الوطن, من خلال خطاباته وتصريحاته ولقاءاته ومواقفه, وللدلالة وكمثال فقط, أستعيد "كلات" جلالته الشهيرة في الزرقاء, وكيف صنعت رأيا عاما موحدا صفق له سائر الشعب الأردني بلا إستثناء لأحد جغرافيا وديمغرافيا معا.
ب: الحكومة من خلال رئيسها ووزرائه عبر أقوالهم المعززة بأفعالهم وقراراتهم على الأرض, ثم البرلمان من خلال مواقفه التشريعية والرقابية التي تحظى بتعاطف الشعب، وعندما أقول الشعب , فأنا لا أتحدث عن نخب مثلا , وإنما عن العامة الذين يشكلون الأغلبية الساحقة .. الطالب والعامل والتاجر والمزارع والصانع والحرفي المهني وربة البيت والمتقاعد المدني والعسكري ... ألخ ألخ .
سابعا: وما هي الرافعة الناقلة لخطاب الملك وقرارات الحكومة والبرلمان؟, الجواب, إنه "الإعلام" الوطني المبدع الموضوعي الذي لا يكتفي بنقل المعلومة وحسب, وإنما هو الإعلام الذي يمارس مهمة "النقد" الموضوعي بحيث يسلط الضوء على السلبيات والإيجابيات معا, ولا يمارس دور المروج لسلعة لا يرى فيها عيبا يذكر!.
ثامنا: يعتقد بعض أولي الأمر من صناع القرار, أن شعبنا ينتظر مع طالع كل شمس وبلهفة وترقب, قراءة مقال "شحاده أبو بقر" وزملائه الكتاب الآخرين كي يبني رأيا وموقفا ما من دولته, وهذا إعتقاد تنقصه الواقعية كثيرا, وربما يصح ذلك في حالة النخب مثلا التي تود أن تقرأ خبرا عن تعديل وزاري منتظر أو خبرا يتعلق بها وبشخوصها إيجابا أو سلبا وما شابه!. لا, أنا أتحدث عن العامة, عن المواطن المنشغل والمشتبك مع لقمة العيش ومصروف العيال ورسوم المدارس والجامعات وفاتورة الكهرباء والماء ومعضلة الفقر والبطالة وما ينجم عن ذلك من هموم ضاغطة نفسيا.
تاسعا: فرق هائل بين أن تتحدث لنخب أو ما يسمى بنخب فقدت الكثير من بريقها الذي كان في نظر العامة من الناس, وبين أن تتحدث إلى الناس البسطاء إن جاز التعبير, وبالذات الناشطين الساخطين على حياتهم جراء البطالة والفقر, فالنخب مرتاحة عموما وأمورها المالية والمعيشية ميسرة تماما, أما الكافة من العامة, فالأمر مختلف حيث الدين وأقساط البنوك ورسوم التعليم ومتطلبات العيش الكريم في أبسط درجاته, هم في الليل وذل في النهار. هؤلاء لا وقت عندهم للإستماع إلى نخب مترفة تحدثهم عن الإنتماء والولاء وحب الوطن والتصدي لما يواجه من مؤامرات وتحديات, أو لكتاب مثلي يرون في معظمهم مروجين منعمين لسياسات وقرارات لا تخدم المصالح العامة لهم, فما فيهم يكفيهم!.
عاشرا: الأردن بلد خير وشعبه شعب خير وخيره كثير جدا لو أحسن توظيفه وإستخدامه, والشعب الأردني من أنبل لا بل أنبل شعوب الأرض حبا لبلده بكل من فيه وما فيه, وهو شعب وفي حتى مل الصبر من وفائه!, وهو شعب شهم كريم يؤثر على النفس حتى لو كانت بها خصاصه, شعب موروثه الثقافي الشعبي من أغنى ما وجد في هذا العالم "لاقيني ولا تغديني", "إحترمني أحترمك وأكرمني أكرمك أكثر", شعب يشتاق أن يرى وطنه درة في جبين كل الأوطان, شعب يرى أن من حقه أن يشارك في إدارة وطنه, لا أن يرى المناصب حكرا على فئات بعينها تتداول السلطات والمناصب ومجالس الإدارة والمفوضيات وحدها كما لو كانت حكرا لها وما سواها من العامة لا يصلحون!!.
قبل أن أغادر, والله شهيد أنني أبغي وأريد لشعب كامل لا لنفسي كما يفعل غيري ممن تباهى أحدهم علينا بأنه رفض الوزارة ذات يوم, ولا ندري من ذلك الجهبذ الذي عرضها عليه. نعم أريد لشعب أزعم أنني أعرف جيدا مدى نقائه وإحترامه وعشقه لبلده وتشبثه بالعرش الهاشمي الذي يريده دوما قويا عصيا على المؤامرات والأحقاد, نعم أريد لشعب يعتد به عند الشدائد والمحن بكل فئاته, شعب ما خان ولا غدر ولا تخلى ولا هان أبدا أبدا. والله خالق الكون من وراء قصدي.