الإصلاح السياسي في الأردن
د. جواد العناني
07-10-2021 01:28 PM
تسلم ملك الأردن، عبد الله الثاني، يوم الأحد الماضي، 3 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، تقرير لجنة الإصلاح السياسي في الوقت المحدّد لذلك من الملك نفسه يوم كَلَّف رئيس الوزراء الأسبق سمير زيد الرفاعي برئاسة هذه اللجنة المكونة من 92 عضواً.
خرج منهم ثلاثة أُعلِن عنهم، ورابع خرج لكن اسمه بقي مكتوماً. وقد عانت اللجنة خلال عملها من تحدّيات كبيرة، استطاعت بالصبر والأناة أن تتجاوزها جميعاً. كما أظهر رئيسها أنه قد اكتسب حنكة وتجربة واسعة منذ استقالة حكومته في شهر فبراير/ شباط عام 2011.
وقد تكونت اللجنة من عدد محدّد من الوزراء السابقين، ووزير واحد من الحكومة الحالية (موسى المعايطة)، وعدد كبير من ممثلي الأحزاب والاتجاهات والنقابات والكُتّاب، ومن مختلف التوجهات والأصول. ومنذ البداية، قسّمت الأعمال إلى عدد من اللجان، أهمها لجنتا الأحزاب والانتخابات.
بعد نقاشات مطوّلة، وجدليات حامية الوطيس، استقرّت اللجنة على عدد من الإصلاحات في هذين القانونين. أولها تشجيع العمل الحزبي الجمعي والجاد القائم على البرامج، والمتفق عليها داخل الحزب.
وبعد نقاشات مطوّلة، وجدليات حامية الوطيس، استقرّت اللجنة على عدد من الإصلاحات في هذين القانونين. أولها تشجيع العمل الحزبي الجمعي والجاد القائم على البرامج، والمتفق عليها داخل الحزب.
ومن أجل التحفيز على ذلك، خصَّصَت 41 مقعداً للأحزاب من أصل 138 مقعداً. واقْتُرِح أيضاً تعديل دستوري يحول بين أن يكون عضو مجلس النواب أو مجلس الأعيان عضواً في الحكومة، تحقيقاً لمبدأ الفصل التام بين السلطات.
أما في الانتخابات المقبلة، فسوف يرفع عدد النواب الممثلين للأحزاب إلى أكثر من 65 عضواً، وهكذا حتى تُلغى كل الكوتات للمرأة والمسيحيين والشركس والبدو، ويُستعاض عنها بتمثيل حزبي.
وقد خصصت للنساء كوتا من 18 مقعداً، أي مقعد واحد لكل دائرة انتخابية، لأن عدد الدوائر الانتخابية قد قُلِص من 25 إلى 18، وجاء الاختصار في عمّان وإربد. ولكن التعديل الأهم كان تخفيض سن المرشّح للانتخابات إلى 25 سنة، بينما بقي عمر الناخب 18 سنة، وذلك تشجيعاً لانخراط الشباب في الحياة العامة والسياسية، وتفعيلاً لدورهم، لأنهم يُكوِّنون غالبية السكان.
وقد عُدِلت في قانوني الأحزاب والانتخابات أمور تسهل العملية السياسية، وتجعل البرلمان أعدل تمثيلاً من وضعه الحالي.
صار الإصلاح السياسي في الأردن شرطاً ضرورياً للإصلاح الإداري، والتعليمي، والتدريبي، وبناء الاقتصاد على قواعد سليمة من التوازن بين الواجبات والحقوق وضبط قواعد السلوك العامة، والابتعاد عن الاقتصاد الريعي
وقد كان تقسيم محافظة العاصمة ومحافظة إربد إلى عدد كبير من الدوائر الانتخابية يحدّ من فرص نجاح الأردنيين من أصول غير أردنية. أما توسيع الدوائر فسيجعل من الممكن لمن لهم الأغلبية داخل الدوائر الأكبر أن يحققوا نجاحاً أشمل.
وكذلك سُمح لأبناء عشائر البادية بأن يترشّحوا داخل دوائرهم الخاصة بهم، وكذلك في الدوائر الأخرى لمحافظاتهم، لأن العشائر كبرت عدداً وزاد عدد الراغبين من أفرادها في الترشّح.
وعليه، من لا يحصل على ترشيح من عشيرته في دائرة البدو، يجوز له أن يترشّح مواطنا خارجها. وهذا ما يجب تطبيقه على كوتا المسيحيين والشركس، ولكنه مطبّق على الكوتا النسائية، حيث يمكن للمرأة أن تنجح منافسةً، أو تنجح بموجب الكوتا (الحصة) النسائية.
ويبدو مثل هذا التوسّع في الخيارات المفتوحة لأهل الحصص، في ظاهره، تعصّباً لهم. وهو كذلك في المدى القصير، أما في المدى الأطول، فإن نجاح المرشّحين من أهل الكوتات خارج دوائرهم سينتج الحافز لإلغائها أصلاً. وبهذا تخفّ أهمية حملات القربى، أو الطائفة، أو الأصدقاء، في تحديد خيار الترشيح والانتخاب، وينتخب الناس من المرشّحين المجازين من الأحزاب، وممن يخدمون بموضوعيةٍ من انتخبوهم. وهذه خطوة مهمة جداً نحو الديمقراطية الصحيحة.
وهذه الإصلاحات التي قدمت للملك ليست نهائية بالطبع، بل سوف تُرسل إلى الحكومة التي سترسلها إلى مجلس النواب، بعدما ناقشها ديوان تشريعها. وقد أكد الملك، في كلمته، على السير في هذه العملية. ومتى ما أُعيد القانونان والتعديلات الدستورية إلى الحكومة، بعد إدخال أي تعديلاتٍ من مجلس الأمة عليهما، تقرّ الحكومة هذه التعديلات كالعادة، وترفع المشروع إلى الملك ليتوشّح بالتوقيع السامي.
وقد عقد مدير المخابرات العامة، اللواء أحمد حسني، بعد انتهاء الجلسة الملكية، مؤتمرا صحافياً مع رؤساء تحرير الصحف وكُتاب الأعمدة، أكّد فيه على أن دائرة المخابرات لم تتدخل بعمل اللجنة، وأنها هي كجهة أمنية تقوم بواجباتها لمنع العنف وتجاوز القانون والتسلّل إلى البلد وإفساد الحياة فيها. وبمعنى آخر، تقول الدائرة إن أي تعديلات يمكن أن تجري على القانون ستكون من الحكومة ومجلس الأمة، وليس لها يد في ذلك على الإطلاق.
صار الإصلاح السياسي في الأردن شرطاً ضرورياً للإصلاح الإداري، والتعليمي، والتدريبي، وبناء الاقتصاد على قواعد سليمة من التوازن بين الواجبات والحقوق وضبط قواعد السلوك العامة، والابتعاد عن الاقتصاد الريعي.
العربي الجديد