سياسة فرنسا العربية: العصور الوسطى - القائد الجنرال ديغول
إيمان صفّوري
07-10-2021 10:59 AM
منذ العصور الوسطى، كانت هناك علاقات تاريخية ومعاصرة بين الفرنسيين والعرب، وقد التحق بعض الطلاب العرب بالجامعات الفرنسية للدراسة هناك.
في القرن السادس عشر، قرر الملك فرانسوا الأول التحالف مع تركيا، وسمي ذلك التحالف تحالف الصليب والهلال. وتم بناء أول مسجد في أوروبا في باريس، تعبيرا عن شكر فرنسا للجنود العرب والمسلمين الذين ساعدوها في حربها ضد النازية وتخليصها من الاحتلال النازي.
ان سياسة فرنسا العربية موجودة منذ آلاف السنين ويمليها التاريخ والجغرافيا ومع ذلك، في صميم معرفتنا أن الدولة العربية "الجزائر" كانت أول منطقة عربية أصبحت مستعمرة فرنسية، عندما نزلت القوات الفرنسية على أراضيها عام 1830. ومع مرور الوقت وانتقل المواطنون الفرنسيون إلى الجزائر للاستقرار بشكل دائم بالإضافة إلى مواطنين أوروبيين آخرين. كانت الجزائر مكانًا للقيادة، وموقعًا للشجاعة، ومكانًا للتطور على المدى الطويل، والتمسك بقيم الجمهورية. انعكس ذلك من خلال الإصرار على الهوية العربية وعلاقاتها مع الشرق الأوسط. في تلك الفترة ربطت الأردنيين والجزائريين علاقات أخوية، ظهرت بجلاء من خلال العديد من المبادرات التي ساهمت في إغاثة الشعب الجزائري خلال محنته، حيث تبرع ضباط الجيش الأردني براتب شهري لصالح الثورة. وإرسال السفينة الأردنية "دينا" التي كانت تعمل لنفس الغرض، بالإضافة إلى الدور الكبير الذي لعبته اللجنة الأردنية للتضامن في دعم الجزائر.
بينما كانت فرنسا تسعى أن تكون قوة غير عادية، وعلى الرغم من المنعطفات التاريخية، تمكن الجنرال ديغول من إعادة التاريخ إلى مساره الإيجابي. بادر ديغول إلى تأسيس الجمهورية الخامسة عبر إقرار دستور يقوي فصل السلطات ويعزز مكانة رئيس الجمهورية، ثم أطلق مفاوضات مع الثوار الجزائريين أفضت إلى استقلال الجزائر عام 1962. حرص طيلة سنوات حكمه على استقلال سياسة بلاده الخارجية وعارض الاحتلال الإسرائيلي لأراض عربية إبان حرب 1967 مبتدئا بذلك ما سُمي لاحقا ب"سياسة فرنسا العربية". معلنا أنه لن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط ما لم يتمكن الفلسطينيون من إقامة دولتهم. كان الخط السياسي لديغول يقوم على أساسين؛ التوازن والعدالة. والخوف من أن تؤدي الصراعات والتوترات المتزايدة في الشرق الأوسط إلى الهيمنة في ذلك الوقت، وهو ما يعني تهديد استقلال فرنسا، وهو ماعبر عنه بقراره بالانسحاب من الناتو. وأكد أن كل هذه المواقف ساعدت لتعزيز العلاقات مع العالم العربي، وجعل ديغول يحظى بشعبية كبيرة لدى العرب. وأشاد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بديغول ومصداقيته وأخلاقه، ووصفه آنذاك بأنه الرئيس الغربي الذي يمكن للعرب الاعتماد عليه. تبع ذلك اجتماعات متكررة مع القادة العرب في سوريا ولبنان والأردن والسعودية الجزيرة العربية، وإعداد المشاريع لدول الخليج في ذلك الوقت. وفي علاقتها مع الأردن؛ كانت لزيارة جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال بتاريخ 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1964 إلى فرنسا؛ حجر الزاوية في العلاقات الفرنسية الأردنية؛ بحضور الجنرال ديغول. كما شهدت باريس زيارة اخرى لجلالة الملك الراحل الحسين بن طلال في أعقاب حرب عام 1967.
وتجددت العلاقات بعهد الرئيس الراحل جاك شيراك؛ الزعيم الغربي الذي أقام علاقات وثيقة مع جميع القادة العرب تقريبًا. كان شيراك على علم بكل الأزمات ومشاكل المنطقة العربية. و داعمًا للقضية الفلسطينية والتسوية السلمية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.دعم شيراك لبنان في القضايا الأمنية والاقتصادية ومنعه من الانهيار بعد الحرب الأهلية. كما ظل شيراك قريبًا من دول الخليج. وكان شيراك معارضا لغزو العراق ودعا إلى عالم متعدد الأقطاب، ولم يخرج عن السياسة الديجولية.
ولحضور الرئيس شيراك، برفقة زوجته، عند رحيل المغفور له الملك الحسين بن طلال في فبراير 1999، إعادة تأكيد فرنسا قوة علاقتها مع الأردن، كان لجلالة الملك الراحل حسين بن طلال والرئيس شيراك صداقة متبادلة وإعجاب لنهجمها دام طويلا.
في إطار المساعي لتمتين العلاقات الأردنية الفرنسية، عززت الزيارة الملكية لجلالة الملك عبد الله الثاني إلى باريس في بداية عهده عام 1999 العلاقات السياسية الدبلوماسية بين البلدين إلى مستوى أعلى، تخّلل تلك الزيارة تحويل الديون الأردنية إلى استثمارات اقتصادية اثناء انعقاد نادي باريس؛ وهو إطار تعاوني متطور مكون من مسؤولين ماليين مموّليين من دول تعد من أكبر الاقتصادات في العالم.
في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني، تبنى الأردن نهجًا يحفظ سيادته واستقراره وأمنه بغض النظر عن التحديات الداخلية والإقليمية، من خلال تطوير علاقات وثيقة وتأسيسية مع القوى العالمية الكبرى في الشرق الأوسط وعلى نطاق عالمي.
يتلقى الأردن دعماً دولياً لتمكينه من مواجهة التحديات الهائلة ومواكبة التنمية، وتعتبر فرنسا من أهم الداعمين لجميع المجالات الأساسية والحيوية في الأردن. وأعرب جلالة الملك عبد الله الثاني عن تقديره لدعم فرنسا للأردن في تنفيذ عدد من البرامج التنموية.
وتسجّل فرنسا حضورًا بارزًا في المجال الثقافي والاجتماعي والإعلامي، مشاريع الاستثمار والتنمية، مناطق الجذب السياحي ودعم السياحة والآثار، التعاون القضائي والشراكة الاستراتيجية.