الإصلاح ليس في السياسة وحسب
مالك العثامنة
06-10-2021 01:15 PM
أثناء وجودي في العاصمة الأردنية عمان في الصيف الذي انقضى للتو، كانت هنالك قصة من بين القصص التي يتم دحرجتها بقوى خفية على وسائل التواصل الاجتماعي لتتضخم ويثور حولها الجدل ويخرج جنرالات "الانترنت" من عموم الناس للفتوى والاجتهاد وإبداء الرأي "القاطع واليقيني لدى كل واحد منهم".
الموضوع كان يتعلق بمحمية "ضانا" وهي محمية موجودة في الجنوب الأردني تأسست عام١٩٨٩ في محافظة الطفيلة، تتجاوز مساحتها 300 كم2 .
و هي - حسب تعريفها الرسمي- المحمية الوحيدة في الأردن التي تحتوي الأقاليم الحيوية الجغرافية الأربعة: إقليم البحر الأبيض المتوسط، الإقليم الإيراني الطوراني، إقليم الصحراء العربية، و الإقليم السوداني ولذلك فهي أكثر المناطق تنوعاً في الأردن من ناحية الأنظمة البيئية والأنماط النباتية.
حسب الأخبار التي تتسرب في الأردن دوما بطريقة "إلقاء القنابل الدخانية والصوتية" فإن النحاس الخام موجود تحت أرض المحمية، وبدون الدخول في تفاصيل وفرة خام النحاس وجدواه الاقتصادية إلا أن الجدل "البيزنطي" أثار في بالي عدة أسئلة حول دور منظمات المجتمع المدني في الأردن، وشغفها الشديد بالدفاع عن قضايا حقوق الإنسان وحرياته حد الإزدحام على مصادر التمويل لتلك القضايا، بينما قضايا حيوية ومهمة وجذرية تستحق حضور "منظمات المجتمع المدني" لتكون معنية بالمجتمع، ومنسجمة مع قضاياه المدنية بلا استثناء.
منذ عام ١٩٨٩ وأنا أسمع عن محمية ضانا، وهي محمية خلابة بلا شك ومبهرة، لكن ألم يحن الوقت للتفكير خارج الصندوق وتوسعة "مفهوم" ضانا إلى خارج أسوارها بدلا من الانغلاق عليها وبها كحالة "وقف بيئي" مقدس غير قابل للتمدد او الاستنساخ.
في الأردن، هناك نقص حاد في الموارد المائية، أدرك ذلك وهو بديهة من بديهيات الجغرافيا الأردنية، وهو ما أدى إلى ازدياد نسبة التصحر وانحسار المناطق الخضراء حتى صار المشهد العام في معظم طرق الأردن أصفرا صحراويا مليئا بنفايات البلاستيك العالقة بالأشواك المنتشرة.
--
قبل أعوام قليلة، تواصلت معي محامية أردنية محبة بجدية للطبيعة والبيئة، وأخبرتني عن مشروعها التطوعي الذي أنفقت عليه في تأسيسه الأولي من مالها وجهدها الخاص لتشجير أرض في شمال الأردن بأشجار حرجية قادرة على العيش والتمدد لو تركها البشر تنمو وتزدهر، وأسمته مشروع القينوسي نسبة إلى اسم شجرة من أنواع البلوط المعمرة والتي باتت منقرضة بسبب عوامل عديدة من بينها وعلى رأسها قرارات رسمية من حكومات فيها وزارة زراعة وقوانين وتشريعات برلمانية يفترض أنها تحمي المناطق الحرجية.
مشروع الأستاذة أمل العمري، تحول إلى ما هو اكبر ونما بشكل طبيعي من خلال جهودها وجهود المتطوعين معها، ليصبح مشروع القينوسي لإنشاء الغابات الصغيرة.
هذه نواة حقيقية لمنظمة مجتمع مدني منبثقة من هوية المجتمع ومشروعها مدني بامتياز، لكنها لا تلقى الاهتمام الرسمي ولا دعم منظمات المجتمع المدني في الأردن، فالقضية لا تستحق - حسب معايير الجميع- أن يخوض أحد من أجلها حروبا ومعارك لتوسعة فكرة البيئة الخضراء في دولة تتعرض لأخطر ما يمكن أن يهدد الإنسان فيها، وأعني هنا خطر التصحر.
التصحر لم يعد توغلا في الجغرافيا القاسية، بل صار تصحرا ذهنيا يجعل معارك الأردنيين في كامل الدولة ومؤسساتها ونشطاءها مقتصرا على قضايا السياسة ومعارك الشد والجذب فيها والبحث عن بطولات "وهمية" ومقارعات عبثية للوصول إلى أعلى حد في تسجيل النقاط جذبا للتمويل او الدعم أو في الحد الأدنى استقطابا للاستعطاف الجماهيري.
--
يقال أن رئيس الوزراء الراحل وصفي التل، كان قد قرر بأمر دفاع صادر عنه بمنع البناء السكني والتجاري في غرب عمان حتى منطقة المطار الحالي.
المفارقة أن البناء اكتظ بعد ذلك في ذات المنطقة التي كانت أخصب أراضي العاصمة ومعروفة ببيادرها الزراعية، لتتحول عمان إلى غابة من الإسمنت والطوب وكثير من العوالق البلاستيكية.
تلك معركة إصلاح لا تقل شراسة عن معارك الإصلاح التي يريدها الأردنيون، على الأقل تلك معركة تمس حياتهم وحياة من سيأتي من أجيال بعدهم، وإلا فإن الإرث سيكون صحراء مليئة بالأشواك وقسوة أكثر في العيش.