الكرم الهاشمي وفلسفة العفو في إطالة اللسان
د.طلال طلب الشرفات
06-10-2021 12:46 AM
كما هم الهاشميون دوماً في العفو عند المقدرة يأتي توجيه جلالة الملك بالعفو الخاص عمن صدرت بحقهم أحكام مبرمة وقطعية في جرائم إطالة اللسان خلافاً لأحكام المادة (195) من قانون العقوبات، والحقيقة أن اقتصار العفو على الجرائم التي صدر بخصوصها أحكام نهائية قطعية ومبرمة يأتي إنفاذاً لأحكام الدستور بموجب المادة (38) منه التي نصت "للملك حق العفو الخاص وتخفيض العقوبة واما العفو العام فيقرر بقانون خاص" وفي ذلك حكمة هاشمية كبيرة في الترفع عن عقاب حالات إطالة اللسان وإعطاء فرصة للعودة إلى الرشد واستلهام قيم الحلم الهاشمي بقراءة متأنية ووعي رصين.
فلسفة العفو الخاص تستند إلى معايير إنسانية، ومشاعر أبوية خالصة من حادي الركب، وعميد آل البيت، ورب الأسرة الأردنية الواحدة لكل الذين صدرت بحقهم أحكام قطعية سواء كانوا أردنيين أو أجانب على الأرض الأردنية، وهي فلسفة تقوم على نبل الأخلاق الهاشمية ورفعتها. وإصدار العفو رغم ثبوت الجرم واستحقاق العقوبة يستبعد تجنب مظنة التوظيف السياسي للعفو الخاص عن جريمة ككل الجرائم لا يجوز أن تستوجب عقوبة إلا باستنفاذها كل أساليب الطعن القضائي والتي عندها يستحيل إعلان البراءة أو تقرير عدم المسؤولية في الإطار القضائي.
ليست هذه هي المرة الأولى التي اعتاد فيها ملوك بني هاشم منذ تأسيس الدولة الأردنية على هذا التوجيه الرفيع بالصفح والعفو ولن تكون الأخيرة، والمكارم الملكية في التعليم وإغاثة الفقراء، ودعم رفاق السلاح، وتوفير متطلبات ألأمن الغذائي وموجبات الكرامة الوطنية في الأمن والاستقرار رغم قلة الموارد وقسوة الموآمرات الاقليمية والدولية هي حاضرة في سلوك آل هاشم الأخيار حتى غدا الأردن الحبيب محور الاعتدال والتوازن والرصانة في السياسة الدولية، ومناط احترام المجتمع الدولي بأسره، فالصفح والحرص والتفاني والعمل المخلص الجاد من أجل الأمة هو ديدن الهاشميين الأحرار منذ فجر التاريخ.
العفو الملكي فرصة لأن يدرك المشمولين بأحكامه أن القضاء قال كلمته وإن إطالة اللسان لا يمكن أن تكون رأياً آخر، وارتكاب الجريمة لا يعتبر رأياً آخر مما يجعل الصفح الملكي فرصة للعودة إلى جادّة الحق، وإدراك معايير التفرقة بين السبّ والشتم والقدح، وحق التعبير الذي يتسم بالرصانة والوعي والمروءة وعدم مخالفة القانون الذي وجد لحماية حقوق الناس واعتبارهم من تجاوز الآخرين بأي صورة كانت.
مرة أخرى نقول السياسي لا يشتم، والمفكر لا يتطاول، وصاحب المبدأ لا يفجر في التعبير عن مكنوناته النفسية، والرصين لا يتطاول بأسلوب لا يقبل بالتأكيد ان يكون موجهاً إليه مثله، والأخلاق العربية والإسلامية تأنف الشتيمة والوقيعة، والاستقواء الأعمى الذي ينتهي عادة بالندم والرجاء وطلب الصفح، ونحن في هذا لا ننكر على الناس حقهم في التعبير عن آراءهم وتقييمهم للشأن العام بما يتوافق وأحكام القانون التي قررها ممثلو الشعب في البرلمان.
الفلسفة التي انطلق فيها من عدم تأييدي لأي مراجعة للمادة (195) من قانون العقوبات ينطلق قناعة تقول: إن حرمة واحترام الموقع السامي هو حق يتعلق بالمجتمع الأردني برمته باعتبار جلالة الملك رأس الدولة، وحامي دستورها العتيد؛ لأن الغضب لا يصنع رأياً، والحقد لا يبني موقفاً يستطيع أحد الدفاع عنه أو تبريره.
حفظ الله مليكنا وقائدنا الذي عودنا على رعايته الأبوية النبيلة وحفظ الأردن الحبيب من كل مكروه.