بعد غد الأربعاء، يكون قد مضى على رحيل أحد أعز أصدقاء العمر أربعون يوماً.
هي سُنَّة الحياة التي لا تبديل لها، راحلون يتبعهم راحلون، وما بين الرحيل والرحيل تكون الذكرى والذكريات زاد ما بقي من العمر.
رحل أخي وصديقي اللواء عبداللطيف العواملة، راضياً مرضياً، فقد أدى واجبه في هذه الدنيا بصدق وإخلاص نحو أسرته ووطنه ودينه، كان حسن المعشر على خلق عالٍ، جواداً عف اللسان نظيف اليد والفرج، ولد رجلاً وعاش رجلاً طيلة العمر الذي كتبه الله له في الحياة الدُنيا.
كانت صدفة سعيدة تلك التي جعلت منه بسرعة وسهولة ضابطاً في جهاز المخابرات، فعندما كان يزور القاضي الفاضل والزعيم الوطني المرحوم عبدالرحيم الواكد الذي صار فيما بعد والد زوجته حضر اللواء محمد رسول الكيلاني عليه رحمة الله وكان وقتها مديراً للمخابرات وبعد انتهاء الزيارة ودون استشارة الشاب حديث التخرج أخذه من يده وقال له اركب معي وتوجه به إلى المخابرات وهناك تم توظيفه بدقائق ليباشر العمل في اليوم التالي.
المرحلة التي عمل بها كانت من أكثر المراحل التي مر بها وطننا صعوبة لا بل خطورة وقلقاً على المصير، وفي الشدائد تظهر معادن الرجال، وفي الأردن منجم لا ينضب من الرجال بحمد الله، كان صديقي عبداللطيف واحداً من كوكبة حموا الوطن وصانوا الأرض والعِرض من أن تدنسهما الخيانة والمؤامرة.
كان عبداللطيف العواملة، قوياً صلباً من غير تعسف، رحيماً بالضعفاء دون تفريط بحق الوطن، صارماً مع الأقوياء.
ما يميز الضابط المحقق عبداللطيف العواملة أنه كان يُحضِّر درسه بشكل جيد ويدرس ملف المتهم كأنه هو المتهم وليس المُتَّهِم، لذلك لم يكن أبداً من السهل خداعه أو تضليله، فكانت توصياته تتحول إلى قرارات دون إضافة أو تعديل في كثير من الأحيان.
على الصعيد الإنساني كان أبا رائد مُحبَّاً نقيَّاً، بنى أسرة صالحة رسَّخ في نفس كل واحد من أبنائه وبناته، أن المبادئ لا تُباع ولا تُشترى وأن الدين هو نبراس الحياة ونهجها، والمعاملة الحسنة والأمانة هي اللغة المعتمدة في التواصل مع الناس.
مثل هذا الرجل البار بوالديه ورفيقة دربه وأولاده له أجر في الدنيا والآخرة بإذن الله.
ذهب أخي أبو رائد تاركاً لأسرته الكريمة إرثاً يعتزون به ولا أخالهم إلا على دربه سائرون ولمبادئه ومثله حافظون.
رحمه الله وأحسن نزله مع الصالحين الصادقين.
(الرأي)