سيد نصرالله, تقولون إن الحكومة اللبنانية، عميلة, جيد جدا ولكن يصيبني الارتباك عندما تدافعون عن الحكومة العراقية التي ارتقت أعلى سلّم الخيانة والعمالة على الإطلاق, وهذا نص ما قاله نائبكم الشيخ نعيم قاسم الذي أحييه بالمناسبة، لأن نسبة "التقيّة" عنده منخفضة جدا جدا
يقول غوستاف لوبون في كتابه المهم جدا "سيكولوجيا الجماهير": "الجماهير لا تعقل, فهي ترفض الأفكار أو تقبلها كلا واحدا من دون أن تتحمّل نقاشها أو مناقشتها، فما يقوله لها الزعماء يغزو عقلها سريعا، فتتجه إلى أن تحوله حركة وعملا، وما يوحى به للجماهير ترفعه إلى مصاف المثال، ثم تندفع به في صورة إرادية إلى التضحيّة بالنفس". ويتابع قائلا: "...وفي هذه الحالة الجماهيرية، تنخفض الطاقة على التفكير, ويذوب المغاير في المتجانس، بينما تطغى الخصائص التي تصدر عن اللاوعي".
لا شك في أن أي خطيب، يحب أن يخطب ويتجلى في مثل هذا النوع من الجماهير, ولا عجب لماذا لا يظهر السيد حسن إلا في المناسبات التي تحتشد فيها جموع هائلة, لكني لا أملك إلا أن أعدك يا سيد حسن أن أنزل معها وأبايعك، وأكون في مقدمة الصفوف على الثغور مع الصهاينة، أو على ثغر المسلمين الموجود حاليا على عتبة السراي الحكومي, بشرط أن تأتيني بحل لهذه الأسئلة، التي ما وجدت لها جوابا, ولهذه التناقضات التي عملت جاهدا، في محاولة يائسة مني، لتأويلها وليّها لتكون متجانسة لا تناقض فيها، فما استطعت.
وقد عصبت عيني، علي أرى الأحداث بعين واحدة، فما استطعت أيضا... فأفتونا في ذلك يرحمكم الله, وأعدكم أني لن أطرح إلا القليل مما يجول في خاطري.
1- تقولون إن هذه الحكومة برئاسة السنيورة، حكومة عميلة وحكومة فيلتمن, فماذا كنتم تفعلون فيها سيد حسن طوال مدّة سنة ونصف؟ هل استغرقتم الوقت مثلا مدّة سنة ونصف، لتكتشفوا أنّها حكومة عميلة؟!
2- تقولون إنكم انتصرتم على إسرائيل في الحرب الأخيرة نصرا إلهيا إستراتيجيا تاريخيا مبينا (جميل جدا), حسنا نريد أن نسأل: أين هي شروطكم على الحكومة الإسرائيلية، والتي من المفروض أن يفرضها المنتصر على المهزوم في أي معركة, ونحن لا نرى منكم إلا شروطا على الداخل اللبناني، مما يقودنا إلى التساؤل التالي: هل انتصرتم على إسرائيل أم على لبنان؟!
3- لو تخطّينا السؤال الثاني منعا للإحراج, نقول هل يوجد هناك بلد في العالم يقوم بتغيير حكومة لدولة منتصرة، ويطيح بها في انقلاب في الشارع؟!
4- بعد أن وصفتم الحكومة ورئيسها بسائر الأوصاف الصاروخية، التي من الممكن أن تستخدم في تكفير وتخوين وهدر الدماء، من أجل إثارة جماهيركم التي تعتقد بقدسيّة كلامكم, تطالبون فقط بتوسيع الحكومة، كيف تريدني أن أثق بك، وأنت تطالب بتوسيع حكومة عملاء وخونة، إذا كان كلامك صحيحا!!
5- لا تريدون أن تثيروا فتنة طائفية، ولكنكم لم توفروا سنيا في خطابكم، فجماعة فلان وهمية، ولا تمثّل السنّة الشرفاء، وجماعة فلان إرهابيون تكفيريون، يريدون أن يغتالوك، وجماعة فلان تريد أن تلاحقك لتعطي معلومات للإسرائيليين، وفي النهاية، القنبلة الوهمية عن دور رئيس الحكومة، وبعد هذا تقولون إنكم لا تريدون فتنة, وأن السنّة الشرفاء هم الذي ستعينوهم بأنفسكم (الترجمة لهذه الكلمة بالعربية يعني دمية). لا تريدون فتنة, كيف هذا بالله عليك؟!
6- تطالبون بتحقيق ولجنة عادلة ومحايدة، ثمّ تستبقون أي خطوة باتّجاهها، فتبرئون من تشاؤون تحت عنوان المسامحة، وتقولون عن الآخرين في نهاية كلامكم "القتلة"!! عجبا لهذا المنطق الأعوج؟ ومن ثمّ، لماذا لا تقدمون الوثائق التي بين أيديكم وأسماء هؤلاء ونرتاح من هذه المساجلات, أم أن الموضوع زوبعة في فنجان ودعاية وإثارة للجمهور, وأنتم أعلم الناس بهذه الطرق، خاصة أن لكم تجارب في وحدة الإعلام الحربي وتزييف الوعي والرأي العام لديكم؟<
7- تتحدثون سيد حسن هذه الأيام كثيرا عن الشفافية والعفّة والشريف والنظيف والطاهر, سؤالنا هو: أين كنتم يا سيدي خلال الـ30 سنة الماضية من الفساد والنهب الهائل لحلفائكم الإستراتيجيين المتمثلين بالمخابرات والنظام السوري في لبنان وذلك بشهادتكم؟! لماذا لم نسمع منكم كلمة واحدة بهذا الخصوص من قبل؟ والأجمل من هذا، أنه حينما اعترض الأمين العام السابق للحزب السيد صبحي الطفيلي على مسألة فساد الحكومة والنظام اللبناني والسوري في لبنان, ورفض الاشتراك, قمتم بانقلاب عليه وسلطّتم عليه مخابراتكم ومخابرات الجيش وطردتموه شرّ طردة!!
8- كيف تصلكم سيد حسن, سيول أموال الجمهورية الإسلامية النظيفة الشرعيّة بكل سهولة ويسر، مع أنّ هناك حربا أمريكية صهيونية على العالم الإسلامي، يمنع من خلالها أن تقوم أي جمعية خيرية بإرسال فلس واحد إلى يتيم من أيتام المسلمين دون تدقيق, فما بالك بدولة كإيران وترسل بمليارات الدولارات؟!
9- تتحدّثون عن استئثار الأكثرية بالسلطة في لبنان!! صراحة أضحك عندما أسمع هذه الجملة, فرئاسة الجمهورية لكم, ورئاسة المجلس النيابي في جيبكم، وفي الحكومة شاركتم لمدة سنة ونصف في اتخاذ 2874 قرارا في مجلس الوزراء من أصل 2876، والقراران المتبقيان، هما قرارا المحكمة الدولية, ومعكم من المال والسلاح ما لم يتوفر لأي جماعة في العالم, والأجمل من ذلك أن هناك حربا إقليمية شنت ودمرت لبنان. والحكومة والشعب لا تعرف شيئا عنها, فمن الذي اتّخذ القرار، ولمن القرار؟!
1- سيد حسن لازلت أذكر المقابلة التي تمّ إجراؤها معك في الحرب، وأنت تقول "إنه لا بد وأن أعود إلى إخوتي المجتمعين ـ تقصد قيادات حزب الله - لاتخاذ قرار", جميل هذه الروح الجماعية، ولكن لماذا لا يتم تطبيقها وتعود قبل أي عمل تندم عليه إلى اللبنانيين، وليس إلى ولي الفقيه في إيران؟
11- هل الافتخار بالتعاون مع النظام السوري الذي يقوم بزج المجاهدين في العراق وسوريا في سجونه، والذي استقبل عددا من معتقلي السي أي ايه للتحقيق معهم, هل العلاقة مع مثل هذا النظام، علاقة سليمة؟!
12- هل هناك جماعة إسلامية في العالم يقوم قائدها بإهداء رأس في سوريا بندقية، ومتحالفة مع نظام بعثي، لا يكون لنا الحق بأن نشكّ فيها وفي نواياها وفي ولائها!! خاصّة أنها تؤكّد أن العلاقة ليست اضطرارية أو درءا لشر ذلك النظام, بل هو مفخرة وعز وعلى رأس السطح كما تقولون!!
13- تتّهمون حكومة السنيورة بالعمالة لأنّه استقبل رايس في السراي الحكومي!! فيما استقبل حليفكم من قبل رئيس الوكالة المركزية للمخابرات الأمريكية جورج تينيت، واستقبل كولن باول، بل وصافح الصهيوني قاتل الأطفال الفلسطينيين موشي كاتساف في تشييع البابا في روما على "رأس السطح" كما تقول, فأين الخطابات النارية؟ وأين الاتهامات, وأين العتب؟ لا نسمع منك إلا المديح..!!
14- سيد حسن تعيّرون غيركم دائما في لبنان بأنكم (حزب الله) لم تأخذوا فلسا واحدا ولم تنهبوا، ولم تريدوا الجاه أو السلطة. حقيقة هذا الكلام قد يمر على الجمهور المذكور أعلاه, لكن سؤالي للقارئ هذه المرّة, من يحتاج إلى أن ينهب أو يشارك في حكومة أو كرسي أو سلطة، إذا كان النظام السوري يستطيع أن يؤمن له ما يريد من مال وصواريخ وقرارات سياسية، بمجرد اتصال هاتفي من السيد حسن أو رسالة خطيّة؟!
15- سيد حسن تهددون بالعصيان المدني كتصعيد, جميل جدا, ولكن أحيلك إلى كلامك قبل 9 سنوات تقريبا، وبعد أسابيع قليلة من إعلان ما سمّي "ثورة الجياع" من قبل الشيخ صبحي الطفيلي، تحدثتم في صالون سميح الصلح السياسي في بيروت، وقلتم رداً على سؤال: ماذا عن العصيان والنزول إلى الشارع؟ (تعقيباً على تهديد الشيخ الطفيلي بالعصيان المدني): "إن العصيان غير مقبول بالمعنى الشرعي، بل إن حفظ النظام العام واجب وعدم الالتزام بالقوانين، يرتّب مفاسد كبيرة على أوضاع الناس وشؤونهم الحياتية، وهناك حالة واحدة يجوز فيها العصيان هي عندما تصبح المفسدة كبيرة إلى الحد الذي لا يوجد فيها حل آخر، وهذا يحتاج إلى إذن من الوليّ الفقيه". وهنا عندي سؤالان صريحان: الأول هل هناك حسن نصرالله واحد أم اثنين؟! والثاني هل أخذتم الإذن من إيران، أم ليس بعد؟
16- سيد نصرالله, تقولون إن الحكومة اللبنانية، عميلة, جيد جدا ولكن يصيبني الارتباك عندما تدافعون عن الحكومة العراقية التي ارتقت أعلى سلّم الخيانة والعمالة على الإطلاق, وهذا نص ما قاله نائبكم الشيخ نعيم قاسم الذي أحييه بالمناسبة، لأن نسبة "التقيّة" عنده منخفضة جدا جدا. يقول الشيخ قاسم: "نأمل أن توفق الحكومة العراقية في تحقيق إنجازات، على رأسها الأمن والطمأنينة الداخلية بين الفئات المختلفة، والشروع في خطوات لإخراج الاحتلال الأمريكي... هناك فئات بداخل المجتمع العراقي لا تريد لهذه الحكومة أن تنجح، وهم يعملون ليل نهار لإفشالها، إما سياسيا، وإما بالعمل الأمني العدواني على المدنيين والتفجيرات المتنقلة للتكفيريين".
يسرني أن أبلغك سيد حسن, أن بوش الصليبي نفسه وأولمرت اليهودي، يرجوان ليل نهار أيضا أن توفق الحكومة العراقية هذه. وشكرا لأنّ نائبك يؤكّد معلومات رامسفيلد وحالوتس من أن الإرهابيين التكفيريين هم من يفجر المدنيين، وليس إيران ومخابراتها أو الموساد أو الجيش الأمريكي طبعا. شكرا لكم على هذه الصراحة والوضوح.
17- ينعتك أغبياء هذه الأمّة بـ"صلاح الدين"، وهم لا يعرفون أنك تلعنه ليل نهار, على العموم هل يقبل أي مجاهد على وجه هذه البسيطة أن تروّج يا سيد حسن للصهيو-صليبيين في الإدارة الأمريكية وأن تقول ما يقولوه؟ هذا نصّ كلامك في خطبتك في ذكرى الإمام الكاظم, وحادثة جسر الكاظمية في بغداد، والتي قلت فيها إن الإرهابيين دبّروها مع أن الحكومة والأمريكيين أنفسهم، والجميع يعرف أنها ليست من صنع الإرهابيين الذين في مخيّلتك.
وتقول: "ليتح للشعب العراقي أن يعبر عن رأيه وخياره، وليتح للشعب العراقي أن يختار نوابه ولو في ظل الاحتلال، لأنّ ذلك وسيلة من وسائل مواجهة الاحتلال"!! هل يقبل هذا القول أي عربي أو مسلم شريف؟ نترك مقاومة المحتل وجهاده من أجل انتخابات تشرّع وجود المحتل وتثبّته؟ أي إسلام هذا المتبّع لديكم؟ أليس هذا الذي كان يقوله بوش للعراقيين؟ انتخبوا وقاوموا سياسيا, أليس هذا خطاب العميل السيستاني؟ نحن وفق هذا المنطق المقلوب، نطالبكم بالالتزام بهذا القول، وبأن تنخرطوا في حكومتكم المنتخبة التي قلتم في الحرب إنها حكومة مقاومة، وبعد الحرب حكومة منتصرة, وعندها قاوموا سياسيا وهنيئا لكم.
18- نريد فتوى صريحة منكم استنادا إلى وصفكم من قبل البعض بأنكم سيد الأمة وقائد المقاومة في العالم الإسلامي و.... على هذا السؤال: ما حكم السيستاني عندكم؟ لقد أصدرتم بيانا طويلا عريضا، عندما قام أحدهم على تلفزيون الجزيرة بنقده ببضع الكلمات, ودافعتم عنه خوفا من كلمات تجرحه, فما قولكم فيما قاله حاكم العراق بول بريمر في كتابه "عام قضيته في العراق"، الذي يفضح آية الله السيستاني، وكيف أنه متعاون جدا مع الاحتلال، لكنه لا يظهر علنا ذلك، كي لا تتشوه صورته أمام أتباعه في العالم الإسلامي!! وها أنتم تؤدون دور الدفاع عنه, فهل المصادر الإسرائيلية، التي تنقلون عنها اتهاماتكم للحكومة اللبنانية أصدق من بول بريمر، أم أنك تتّبع نفس أسلوب السيستاني فيما يتعلق بالخوف من تشوه الصورة؟!!
19- أين خطاباتك النارية والتخوينية في أخيك في العشيرة والمذهب والولاء والطاعة الإيراني الطبطبائي الحكيم، الذي يجمعك معه بيعتكما للإمام الولي الفقيه، وهو يطلب من الأمريكيين البقاء في العراق، ويذهب إلى بيت المشروع الأمريكي في واشنطن؟! أم أن الخطاب في هذه الحالة يضر إيران ومصالحها في العراق، الذي أصبح مزرعة لها ولميليشياتها المسلحة "بصواريخ كاتيوشا" لضرب المجاهدين وسكاكين الطائفية لقتل الآمنين!!
20ـ أهكذا تكافئون الحريري الذي جاب الدنيا كلها دفاعا عنكم "باعترافاتكم السابقة"، وسعيا منه للحد من الهجمة العالمية على الإرهاب من أن تطالكم, تدافعون عمن قتله ولا ترضون بمجرد محكمة -قد لا تقدّم ولا تؤخّر-، ولكنها إن ساهمت في شيء، فقد تساهم في معرفة كيف يكون الغدر وكيف يكون الولاء ولمن!! فما قولكم إن كان لديكم ما تقولون؟!(بقلم علي حسين باكير عن العصر )