معظم الذين كتبوا مذكرات في بلادنا استمدوا مخزونهم من الوظائف التي مارسوها سواء كانت مدنية او عسكرية او انهم استمدوا هذا المخزون من الاحزاب التي انتظموا بها او من خلال موقع الاردن في القضية الفلسطينية.
اما الذين مارسوا الوظائف المدنية فكان معظمهم من رؤوساء الحكومات بعهد الامارة او الاستقلال ايام الملك المؤسس او الباني او بأيام الملك المعزز.
ففي ايام الملك المؤسس لم تظهر مذكرات الرؤساء في تلك الايام ولو ان بعضهم اشار الى ان احداها اتلفت سنة 1958 بحضور الملك الحسين ورئيس ديوانه بهجت التلهوني ووزير داخليته فلاح المدادحة وكان من بين الحضور المرحومين احمد اللوزي وتلك كانت مذكرات توفيق ابو الهدى التي سلمتها بعد وفاته ابنته سعاد الى مدير الامن العام بهجت طباره وبدوره سلمها لرئيس الديوان الملكي انذاك بهجت التلهوني اما غيره من الرؤساء فلم يذكر انهم خلفوا مذكرات وهم حسن خالد ابو الهدى وابراهيم هاشم وعبدالحميد سراج وسمير الرفاعي الذي (يقال ان هناك مذكرات له موجودة عند ابنه زيد الرفاعي).
اما في عهد الملك الحسين بن طلال فلم يكتب مذكراته فوزي الملقي او سعيد المفتي او حسين فخري الخالدي او بهجت التلهوني او حسين ابن ناصر او سليمان النابلسي او وصفي التل او سعد جمعة او عبدالمنعم الرفاعي او احمد اللوزي او احمد طوقان او زيد الرفاعي او عبدالحميد شرف او قاسم الريماوي او احمد عبيدات او عبدالكريم الكباريتي ولم يكتب في عهد الملك الباني مذكراته سوى هزاع المجالي وزيد ابن شاكر الذي كتبته بعد وفاته زوجته بمساعدة اثنين من الصحفيين وكان عنوانه من السلاح الى الانفتاح مذكرات زيد ابن شاكر.
حيث نشر بعد وفاته بجهد ومثابرة من ارملته وفي عهد الملك المعزز كتبت ونشرت مذكرات مضر بدران بعنوان القرار حيث اظهر بدران نفسه انه رجل دولة قوي ومعظم مذكراته في نهايتها كانت عن العراق والكويت ويأخذ على مضر بدران انه لم يتوسع في مذكراته يوم كان مدير للمخابرات العامة ويوم عاصر المجلس الاستشاري والمجلس النيابي الذي جاء بعد سنة 1989 وخلافاته مع اعضائه مثل دوقان الهنداوي وفخري قعوار وعبدالوهاب حسين الطراونة وغيرهم من النواب الذين رفعوا من سوية مجلس النواب انذاك وطاهر المصري والذي كانت مذكراته بعنوان الحقيقة البيضاء والتي لاقت معارضة من البعض مثل ليث شبيلات الذي اعتبرها غير صحيحة ومتناقضة مع الواقع.
ومذكرات عبدالسلام المجالي التي كانت بعنوان رحلة العمر من بيت الشعر الى سدة الحكم ولم يتوسع ويوضح كل ما كان يجب ان يذكره عن مباحاث وادي عربة يوم كان رئيسا للمفاوضين الاردنين وفايز الطراونة
وكذلك فقد كتب عبدالرؤوف الروابدة مذكراته بعنوان هكذا افكر أراء ومواقف اما المذكرات التي كتبها عسكريون فكانت مذكرات شاهر ابو شاحوت مؤسس حركة الضباط الاحرار والحقيقة التي اظهرتها مذكرات شاهر ابو شاحوت ان حركة الضباط الاحرار كانت مع نظام الحكم انذاك وليس ضده وهي تأسست بمواجهة الضباط الانجليز واستيلاءهم على قيادات الجيش الاردني وكذلك مذكرات صادق الشرع ومذكرات نذير رشيد وعبدالله التل وعلي ابو نوار اما مذكرات الحزبيين فكانت ما كتبه منيف الرزاز وجورج حبش ولا يفوتنا ان نستذكر مذكرات عوني عبدالهادي ووليد صلاح وعدنان ابو عودة ؟؟
وعودة للموضوع لا بد من الاشارة الى ان معظم تلك المذكرات تضمنت وقائع لم يثبت وقوعها مثلما تضمنت امور لم يكن اصحاب المذكرات قادرون على القيام بها لانهم ليسوا اصحاب قرار بموجب الدستور الاردني وبموجب الولاية العامة التي لم يمارسها.
بعض هذه المذكرات صفحتها في المئات وبعضها اقل من ذلك واقصر هذه المذكرات كانت بخط اليد الاولى للمرحوم شاهر ابو شاحوت والثاني للمرحوم هزاع المجالي وكيلاهما امتازت مذكراتهما بالمصداقية بشهادة من عاشوا احداثها.
اما اطول هذه المذكرات فكانت مذكرات طاهر المصري بجزأيها وامتازت بان صاحبها لم يبالغ بها ومعظها شهادة وزير الخارجية لعدة سنوات بالطبع ليس هو صاحب قرار وكذلك رئيس حكومة لفترة قصيرة اجبر على اختيار تقديم الاستقالة بدون حل مجلس النواب فلم يبالغ الرجل في كتابته وان ما كتب مذكرات بصدق وواقعية مبينا مواقفه بجرأة من خلال مذكراته لا من خلال الواقع ايام حصول حوادثها ولم يتوسع المصري في مذكراته عن ايام حكومته التي جاءت تمهيداً لمعاهدة وادي عربة بعد ان كان وزير خارجية مع زيد الرفاعي واصبح لرئيس للحكومة بعد سنة 90 ايام مبحاثات مدريد.
وباعتقادي ان اكثر من بالغ بكتابة مذكراته وشابها الابتعاد والغموض كانا فايز الطراونة ومضر بدران علما ان مضر بدران كان اقرب للاحداث والوقائع كرئيس حكومة قوي اكثر من فايز الطراونة حيث ان بدران خبرته تفوق خبرة الطراونة اشواطا كثيرة وكذلك من المذكرات التي تضمنت مبالغات كثيرة كانت مذكرات زيد ابن شاكر علماً ان من اشتركوا في تقديم الاشهار لها او صياغتها لم ينسجوا مع واقع الاحداث خاصة بموضوع معركة الكرامة وحرب حزيران او حتى حوادث ايلول.
وقد اغفل كل من كلفوا بصياغتها دولة رئيس الاركان عبدالهادي المجالي مع زيد ابن شاكر سنوات طويلة فلم يسمح للمجالي ان يتحدث وقت اشهار الكتاب لانه لو تحدث لناقض الكثير مما نشر في المذكرات او بما قدمه خطباء الاشهار مروان القاسم او عدنان ابو عودة وغيرهم.
خلاصة القول لا بد للقارئ المطلع على هذه المذكرات ان يطمئن نسبياً لمذكرات هزاع المجالي وطاهر المصري اكثر من غيرها مثلما يطمئن لمذكرات العسكرين شاهر ابو شاحوت وكذلك عبدالله التل التي انحصرت مذكراته بموضوع الحرب مع الصهاينة يوم كان حاكم عسكري للقدس سنة 1948 الى ان اتهم بالاشتراك في اغتيال الملك المؤسس وهرب الى مصر الى ان صدر عنه عفو ملكي سنة 1965 وعاد الى الاردن ليصبح عضو في مجلس الاعيان حتى توفاه الله.
ومن العقائدين جورج حبش ومنيف الرزاز الذين كتبوا مذكراتهم كحزبيين قوميين عرب او بعثيين واعتقد ان بعض الرؤساء مثل زيد الرفاعي الذين عاصروا الملكيتين الرابعة والخامسة قادرون على كتابة مذكرات يستخلص منها دروس وعبر من الخمسينات حتى اوائل الالفية الثانية وتكون امتداداً لما كان يجب ان ينشر من مذكرات توفيق ابو الهدى وابراهيم هاشم وسمير الرفاعي وختاما لا بد من الاشارة الى النقطتين التاليتين:-
أولاً: ان مذكرات بعض الرجال من الراعيل الاول لانهم لم يحاولوا ان يتلاعبوا بها يجب الاطلاع عليها بتمعن مثل مذكرات عودة القسوس وعارف العارف .
ثانياً: في بلادنا عدم وجود مؤرخين يلتزموا الحيادية نحو الحكومات فكانوا مؤرخين للحكومات لا مؤرخين للدولة الاردنية وان غدا لناظره قريب.