الإصلاح التنموي المنشود وعلاج مشاكل الفقر والبطالة
النائب زينب البدول
04-10-2021 12:04 AM
كثر الحديث مؤخرا حول مخاطر ارتفاع مستويات البطالة والفقر في المملكة وخصوصا بين قطاع الشباب، وما ينتج عنها من فقر ونقص كبير في توفير الاحتياجات الأساسية من غذاء وملبس ومسكن للمواطنين وخصوصا الفئات الفقيرة والمتوسطة، وقد أسهم في هذه الحالة؛ التداعيات التي أنتجتها جائحة كورونا وطرق تعامل الحكومة معها، وهذا لا يعني أن نلقي اللائمة على الظروف الغير متوقعة، إذ أن البطالة والفقر بحسب الإحصاءات الرسمية من أكبر التحديات التي تواجه الدولة الأردنية منذ سنوات، ورغم ذلك لم تتخذ الحكومات المتعاقبة أيا من البرامج الفاعلة التي تخفف من حدة تلك الظواهر، إذ تتلازم البطالة مع الفقر باعتبار أن الثاني نتاج للأول بطبيعة الحال.
اثبتت الحكومة الحالية من خلال ممارساتها وقراراتها وتوجهاتها؛ أنها غير قادرة على إيجاد حلول من شأنها أن تخفف من انتشار تلك الظاهرة، فالحكومة في برنامجها وبيانها الأول قدمت وعودا لكن لم يتم تنفيذها، واتجهت نحو المشاريع والبرامج المؤقتة التي ترافقها دعاية اعلامية تهدف الى التسويق والترويج للحكومة وعدم إدانتها، ولم تكتف الحكومة بتلك الإجراءات التي ذكرنا بل استغلت بعض الضرورات والاستثناءات القانونية، و بدأت مسيرتها بتعيينات لذوي الحظوة برواتب فلكية سواء في رئاسة الوزراء أو في الهيئات المستقلة؛ ونستدل على عجز الحكومة أيضا من خلال الارتفاع المستمر لأعداد المتعطلين من العمل سواء خريجين مؤهلين أو الفئات التي لم تتمكن من التحصيل العلمي، وتشهد قراءات ديوان الخدمة على هذا العجز، ويبدو أن الأمور تسير نحو المجهول في ظل تراجع مستوى الثقة لدى المواطنين بكافة وعودات وقرارات الحكومة.
يقف الأردن على عتبة المئوية الثانية، ويواجه تحديات كبرى وعلى رأسها التحدي الاقتصادي والمتمثل بارتفاع نسب الفقر والبطالة، وتفشي نمط الاستهلاك، وارتفاع وتيرة التمايز الطبقي وتحلل الطبقات الوسطى والفقيرة، وتراجع ملحوظ في كافة القطاعات الحكومية وأدائها، الى جانب الظواهر العالمية وعلى رأسها العولمة الاقتصادية والرقمية؛ ما يستدعي إعادة النظر بكافة المعطيات الحالية؛ وفي هذا السياق فإننا لم نلحظ أية توجهات جادة للبدء ببناء نموذج تنموي جديد يحقق العدالة الاجتماعية لكافة المواطنين من مختلف الطبقات الاجتماعية بحيث يدعم الاقتصاد الوطني ويعزز إيراداته ويمكن الدولة من مفاصل الاقتصاد، ويوفر شروط الاستثمار الحر، ويدير الثروات الوطنية ويستثمرها وفق المعايير الفضلى، إذ تتضارب النماذج التنموية المطروحة سواء من قبل الحكومة او الجهات المتنفذة من رؤوس أموال (مالية تحديدا مثل البنوك) أو تجارية تقوم على الاستيراد، أو كبار الموظفين البيرواقراطيين الذين يستفيدون من دورة الاقتصاد الحالية التي ترفع أناسا وتخفض آخرين، وتضمن لهم ديمومة امتيازاتهم ومكاسبهم.
إن تحديد وبناء النموذج التنموي الملائم للواقع الاقتصادي والاجتماعي الأردني؛ هو الخطوة الأولى نحو حل معضلات التنمية وما ينتج عنها من تحلل للطبقات الاجتماعية وهو ما نعيشه الآن، وهذا النموذج ليس بالضرورة أن ينبثقعن إيديولوجيا؛ بقدر ما يكون واقعيا وعادلا لجميع الفئات، فهو نموذج يفترض أن يتبنى فكرة الانتاج الصناعي والزراعي، فالإنتاج هو من يخلق الثروة ويخلق فرص العمل، وهذا الانتاج ينبغي ان يكون وطنيا تشارك فيه جميع الطبقات من رأسمالية تجارية ومالية وزراعية ومن فئات وسطى وفئات عاملة، هذه الخطوة تحتاج الى ارادة سياسية جادة وتعديل للتشريعات فيما يتعلق بالاستثمار والتجارة وكافة الاعمال والأنشطة الاقتصادية؛ فالتشريعات والاجراءات القائمة وبحسب مؤشرات مراكز الدراسات الوطنية وعلى رأسها المركز الوطني لحقوق الانسان وتقارير حالة البلاد؛ تؤشر الى خلل كبير في هذا الجانب، إذ يتم تعطيل القدرة على المبادرة والريادة من خلال منظومة معقدة لا تستند إلى نماذج عالمية رائدة.
إن تعديل التشريعات بما يضمن تحقيق الحريات السياسية والاقتصادية، وإحقاق الحقوق الدستورية التي تكفل العمل والسكن والرعاية الصحية والغذاء والتعليم؛ ضروري جدا كعتبة أولى نحو التحول والانخراط بالنموذج التنموي الرائد، هذا النموذج يجب ان يكون منتجا وورائدا يحمل في مضامينه قيم العدالة والمساواة وتحقيق العيش الكريم للإنسان، وأن يخضع للرقابة والمساءلة وأن يكون محوكما رشيدا يصب في مصلحة الوطن وليس أفراد أو فئات قليلة.
إن على الحكومة واجبات رئيسة تبدأ بإعادة تقييم الوضع القائم والذي لا يسر عدوا ولا صديقا، وأن تباشر بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطلوبة التي ينادي بها جلالة الملك حفظه الله، والتي تحتاج الى سن التشريعات الملائمة لخدمة هذا المشروع الوطني، كما يجب عليها البدء بحوارات حقيقة وجادة مع كافة أطياف ومكونات المجتمع الأردني للتوافق على صيغة عادلة لهذا النموذج والذي سيشكل الحاضنة الاقتصادية والاجتماعية للجميع، فمن هنا يبدأ الإصلاح ومن الممكن حينها الحديث عن معالجة الظواهر المتفاقمة في المجتمع.
(الدستور)