في فترات سابقة وحينما كان الأردن يتعرض للضيق والتضييق كان البعض يطالب أصحاب القرار بالتوجه إلى خيارات متناقضة مع خياراته المألوفة، وعملياً لم يكن ذلك ممكناً أو واقعياً فالدول لا تنقلب بشكل كامل على مساراتها التاريخية وتحالفاتها الاستراتيجية، لكن هذا لا يعني ألا تتحرك الدولة في هوامش معقولة ومنطقية سياسياً.
سوريا في تاريخ الدولة الأردنية ليست خياراً متغيراً بل هي خيار استراتيجي رغم كل محطات التوتر السياسي عبر العقود، وحتى في أشد مراحل الازمة السورية لم يتخل الأردن عن خيار جيرانه وعمقه العربي، وإن كانت الازمة تركت أثراً واضحاً على مستوى العلاقة لكن العلاقة لم تنقطع، لكن سوريا بالنسبة لدول اخرى كانت معركة خاضوها لتغيير بنيتها السياسية، ولم يكن مهما لهم ما هو البديل لنظام الأسد، فالمهم سقوط النظام، لكن كل المتابعين المنصفين يعلمون أن الملك عبدالله حمل في بدايه عام ٢٠١٢ سؤالاً وطرحه على الإدارة الأميركية في عهد أوباما.. ما هو بديل بشار الأسد، وكانت الإجابة الأردنية المستندة إلى الواقع الميداني أن البديل هو التنظيمات الإرهابية التي قد لا تحكم كل سوريا لكنها ان سقط النظام ستتقاسم معظم سوريا.
هذا العام كان مهماً جداً للأردن في استكمال قناعاته في بعض مفاصل علاقاته، فقد غادر ترمب ونتنياهو، والأهم أن معادلته العربية قد طرأ عليها تغير مهم، ولهذا تعمقت حركته باتجاه العراق ومصر، وبادر إلى تبني وجهة نظر سياسية مهمة تتعلق بالعلاقة مع الدولة السورية على ضوء نتائج عشر سنوات من الحرب هناك.
مبادرة الملك كانت سباقة وتحدث مع العالم المؤثر الذي وجد في منطق الملك وجاهة، فليس ضرورياً أن تتقدم أميركا نحو الدولة السورية لكن المهم فتح الأبواب وهناك روسيا لاعب أكثر من مهم، وهذه التحركات الأردنية ستدفع من لا يريدون للأردن أن يمتلك ميزة في الإقليم للذهاب نحو سوريا حتى وهم من كانوا يعملون بكل الطرق لإسقاط سوريا ونظامها بغض النظر عمن سيحكمها، وهذا الاقتراب إن حصل مطلوب اردنياً لأن ثمار التحرك الأردني نحو سوريا لا تكتمل إلا بحالة إقليمية مترابطة.
الذهاب نحو سوريا خيار مهم للأردن في أكثر من اتجاه، فليس ضرورياً أن تنقلب على مسارك التاريخي وتحالفاتك حتى يكون لك خيارات فهناك دائماً الطريق الثالث، وهذا ما يفعله الأردن وهذه هي الخبرة والقيادة القادرة على الفعل المؤثر دون ضجيج أو استعراض أو معارك وهمية، والأيام ستحمل المزيد للجميع.
(الرأي)