السياحة العلاجية وأشياء أخرى .. 1
د.علاء سليمان عبيدات
03-10-2021 05:36 PM
حتى لا يساء فهمي بأنني أتجرأ على حكوماتنا المصونة، أنا وبعض المشاغبين، فلقد رأيت بأن أسوق بعض الأمثلة على كثير من المشاهد السيئة، ليس في بلدنا لا سمح الله، ولكن هذه المرة في دول الصف الأول، مثل أمريكا، وبريطانيا، وأستراليا، وفرنسا، وغيرها. ولا أظن بأن أحداً من ضيوفنا السفراء في عمّان، سيقدم احتجاجاً على كاتب هذه المقالة، أو يذهب شاكياً إلى مخفر زهران، بحكم الجيرة على الأقل أو حسن الجوار! ولا أظنه يفعل لسببين: الأول، أن هؤلاء السفراء يدركون تماما بأن هذه القصص، ما هي إلا حقائق فعلاً، وقد تناولها الإعلام المحلي في بلدانهم، وكذلك كبريات الصحف، ومحطات التلفزة العالمية، المعروفة منها وغير المعروفة. أما السبب الآخر، فلأنهم يدركون تماماً بأن حكوماتهم يجب أن تتحلى بروح رياضية عالية، وتتقبل الآخر، حتى وإن اختلف معهم، مدركين تماما، بل ومؤمنين أيضاً بأن هذه الأخطاء، ما هي إلا أدوات حقيقية لتطوير أعمال الحكومة، وسياستها، وإجراءاتها، وخططها.
لا أريد هنا الإسهاب كثيراً، فعلى سبيل المثال، جميعنا تابع مغامرات البوليس الأمريكي عندما قتل ذلك المسكين الأسود فلويد بدمٍ بارد، فقامت الدنيا ولم تقعد، حينها تم إقتحام البيت الأبيض من قبل المحتجين، والمقهورين، والمحرومين، وكذلك اللصوص، والبلطجية. ومن منا لا يعرف بأن لندن وباريس تسبح في ملايين الأطنان من النفايات، نتيجة لقلة العاملين في ذلك القطاع، أو بسبب سوء الإدارات في بعض مؤسساتها، أو نتيجة خلل ما قد يحصل جراء شراء الخدمات من شركات أخرى، أو لأسباب أخرى مثل إحتجاجات العمال، ونقص في الأجور. وهنالك الكثير من الروايات الإعلامية التي تفضح برستيج أوروبا نتيجة لتسرب ملايين الفئران، والجرذان من سكك الحديد، ومترو الأنفاق. وليست أستراليا بأفضل حال من زميلاتها من دول الأكابر، ذلك أن ما يزيد عن مئة ألف مشرد، وفقير، ومحروم، يعيشون دون مأوى (هوملس) يفترشون الأرصفة، والحمامات العمومية أحيانا!
ونتيجة لذلك، لم نسمع بأنه خرج عليهم وزير إعلامهم ليقول للإنجليز، والفرنسيين، والألمان، والأستراليين، بأن بلادنا مستهدفة، أو أن هنالك محاولات لإغتيال شخصياتنا. أما في السياسة أيضاً، فحدّث ولاحرج، عندما أخطأت الحكومة البريطانية آنذاك ممثلة بزعيمها توني بلير وشهادته المزعومة، والمغلوطة، والتي بررت حرب العراق، وقتل العراقيين بدم بارد، وإتهامهم بتصنيع أسلحة الدمار الشامل دون مبررات يقنع لها العدو قبل الصديق. أما المتابع لأخبارهم، فيجد بأن فضيحة إمدادات المشتقات النفطية في محطات الوقود في بريطانيا، كانت بسبب النقص الكبير في أعداد سائقي الصهاريج، الأمر الذي دعى المواطنين إلى الإنتظار لساعات طويلة، وطوابير تمتد لمئات الأمتار لتعبئة مركباتهم، ولقد استوقفني مداخلة أحدهم، عندما صرح للتلفزيون المحلي البريطاني، بأن ذلك لا يحصل إلا في دول العالم الثالث (يبدو بأنه يقصدنا نحن)، ولكن غاب عن هذا المسكين، بأن محطاتنا (كازياتنا) في المناصير، وجوبترول، وتوتال، بأشكالها، وألوانها، ورونقها، ومساحاتها، وخدماتها، تشبه الكمبنسكي عندهم، بل ولا يأخذ الواحد منا وقتاً لتعبئة مركبته أكثر من دقيقة واحدة إن أكملها أصلاً! ناهيك عن إشكالات الصحة عندهم، والنقص الحاد في أعداد الأطباء، الأمر الذي دعاهم إلى استدعاء الكثير من الأطباء الأجانب من الهند، وباكستان، وبنغلادش، والعراق، ومصر، والأردن، ودول أخرى، فضلاً عن الإشكالات الكبيرة، فيما يتعلق بطول المدة التي يستغرقها المريض عندهم، في الحصول على الخدمة الطبية، مثل العمليات الجراحية، والإجراءات الطبية، والحصول على الدواء، ومشاكل أخرى تحدث في مستشفياتهم، وغرف الطوارئ عندهم.
أذكر في يوم من الأيام في العام 2007، وفي مدينة ليدز البريطانية تحديداً، كنت أرافق أحد الأصدقاء والزملاء، والذي يعمل حالياً دكتور جامعي في إحدى الجامعات الأردنية، وكنا وقتها نستقل أحد الباصات العامة، وفجأة بدأ صديقي يشعر بألم شديد جداً في أسفل البطن، مما إستدعاني إلى الذهاب إلى سائق الباص وأخبره بالأمر، وبالفعل استجاب السائق لطلبي، وفهم الإشارة دون أن يشعر الركاب الآخرين بما يحدث، وفهموا بأن ظرفاً معيناً قد حدث، فاضطر السائق للوقوف جانباً، وقمت بدوري بالإتصال بسيارة الإسعاف، والتي تأخرت لأكثر من نصف ساعة! وأذكر أيضاً، بأنه أثناء مرافقتي لصديقي في سيارة الإسعاف، والذي لم يكف حينها أبداً عن الأنين والألم أثناء الطريق، مما استدعى السائق (وهي سيدة بالمناسبة) للتوقف فجأة، لتقول لصديقي منزعجة: إذا لم تسكت وتتوقف عن الصراخ فسوف أتوقف تماماً عن المسير، لأنني أريد التركيز في القيادة، ويبدو أن ذلك صائباً من وجهة نظري، لكي لا يحدث لنا أي مكروه نتيجة الاضطراب داخل الأمبلانص. أما المفاجئة، فكانت بعد نزولنا من سيارة الإسعاف، والإنتظار لأكثر من ثلاث ساعات في غرفة الطوارئ، دون أن يمرعلينا أحد من الأطباء أو المسعفين، ليرى على الأقل الحالة وطبيعتها، ليتم تشخيصها، وتصنيفها، تبعاً لبروتوكولات الصحة المتبعة في جميع أنحاء العالم، ولكن شيئاً من ذلك لم يحصل، بحجة أن الدور يجب أن يمر به المريض تحت أي ظرف، استجابة للقانون والتعليمات وظروف الطوارئ، وكذلك الطاقم، فتذكرت حينها مقولتنا المشهورة في الأردن... إلحقوني يا قرايبي... ولكن، الحمدلله، وبعد مرور أكثر من ثلاث ساعات شعر صديقي بأن ألم القولون الحاد قد ذهب فجأة، وبشكل نهائي، ولم يعد يشعر به أبداً! وقد صادف ذلك مرور أحد الأطباء، الذي قرر بأنه ليس هناك ما يستدعي المتابعة، كون المريض، أي صديقي لم يعد يشكو.
أكتب هذه السطور لكي تكون مقدمة لشرح واقع السياحة العلاجية في أردننا الغالي، بما سمعته، وشاهدته لأكثر من خمسة وعشرين عاماً، وبكل وضوح، وشفافية، وجرأة.. إن سمحتم لي.. وأظنكم تسمحون!