كليّةُ الآداب .. ماضٍ تليد وحاضرٌ مجيد
أ.د. اسماعيل الزيود
02-10-2021 08:12 PM
هِيَ الآدابُ، وللآدابِ حُضورٌ في الزمانِ والمكان؛ إذ تزامنَ مولدُها معَ ميلادِ الجامعةِ الأردنيّة؛ الجامعةِ الأُمّ، لمّا صَدَرَتِ الإرادةُ الملكيّةُ بإنشائها سنةَ1962 م؛ لتؤدِّيَ رسالةً علميّةً وعربيّةً شريفةً سامية، ولترفدَ المجتمعَ الأردنيَّ خاصّةً والمجتمعَ العربيَّ عامّةً بالعلماءِ والباحثينَ والكُتّابِ والشُّعراءِ والمدرّسين.
ولمّا كانت كليّةُ الآدابِ أوّلَ كليّاتِ الجامعةِ إنشاءً، فهي نَواتُها وأصلُ شجرَتِها المباركة، التي أورقَتْ وأثمرَتْ وأعطَتْ بِسخاءٍ وبذلٍ مُنقَطِعِ النظير. وقد أثبتَتْ كليّةُ الآدابِ معَ تقادُمِ الزَّمَنِ حضورًا عالَمِيًّا قدَّمَهُ روّادُها وأبناؤها، تمثَّلَ في كثيرٍ مِنَ العلومِ والتجارِبِ والأبحاثِ والطاقاتِ الإداريّةِ والسياسيّة، فكانَ منها الباحثونَ والأُدَباءُ والشُّعراءُ ورؤساءُ الحُكوماتِ والوزراءُ ورؤساءُ الجامعاتِ والعُمداء.
وتلتزمُ كليّةُ الآداب منذُ تأسيسها برسالتها الساميةِ المنبثقةِ منْ وعيِها وأهدافِها الاستراتيجيّةِ وتاريخِها العريقِ في تطويرِ الثقافةِ النوعيّة. وعليه، فَتَضُمُّ سبعةَ أقسامٍ أكاديميّة، هي: قسمُ اللُّغِةِ العربيّةِ وآدابِها، وقسمُ التاريخ، وقسمُ الفلسفة، وقسمُ الجغرافيا، وقسمُ علمِ الاجتماع، وقسمُ علمِ النَّفْس، وقسمُ العملِ الاجتماعيّ، وَتُقَدِّمُ برامجَ البكالوريويس والماجستير والدكتوراه في أقسامها كُلِّها، باستثناءِ قِسمَي علمِ النَّفْسِ والعملِ الاجتماعيّ، اللذينِ يمنحانِ درجتي البكالوريوس والماجستير.
والجديرُ بِالذِّكرِ -في هذا المقامِ- أنّ أقسامَ الكليّةِ تمتازُ بِحِراكٍ أكاديميٍّ وبحثيٍّ متميِّزٍ في مجالاتٍ معرفيّةٍ مختلفة؛ ممّا يوفِّرُ بيئةً تُلَبّي الحوارَ الهادِفَ البَنّاء، الذي يعكسُ دورَ الكليّةِ في خلقِ مجتمعٍ يعتمدُ الرؤى الكَيِّسَةَ الحصيفةَ والبصيرةَ النافذةَ والعقلَ الحُرَّ الناقد.
وتحتضِنُ كليّةُ الآدابِ أكثرَ مِنْ 90 عضوَ هيئةٍ تدريسيّة، تَخَرَّجوا في الجامعةِ الأردنيّة، وفي جامعاتٍ مرموقة: أمريكيّة، وكنديّة، وبريطانيّة، وألمانيّة، وأُستراليّة، ويابانيّة، وفرنسيّة، وإسبانيّة، وتركيّة، و...، إضافةً إلى الجامعاتِ العربيّةِ المرموقةِ وما زالَتْ كليّةُ الآداب، ومنذُ نشأتِها، تسعى في برامجِها المختلفةِ إلى تخريجِ كفاءاتٍ تُلَبّي مُتَطلّباتِ سوقي العملِ المحليِّ والأقليميّ؛ بُغيَةَ الإسهامِ في تحقيقِ أهدافِ التنميةِ المُستدامة؛ حيثُ تهدفُ تلكَ البرامجُ في أقسامِها جميعِها إلى إكسابِ الطالبِ مهاراتٍ نظريّةً وتطبيقيّةً في التخصّصاتِ الدقيقةِ التي تطرَحُها، كما تتبنّى الكليّةُ استراتيجياتِ التعليمِ الحديثةِ الكفيلةِ بإنتاجِ المعرفة، وتحرِصُ في الوقتِ نفسِهِ على الإسهامِ في فهمِ الواقعِ وتقديمِ حلولٍ لكثيرٍ منَ المشكلاتِ التي تواجِهُ المجتمعَ ضمنَ بيئةٍ مُحَفِّزَةٍ للرّيادةِ والإبداع.
وَلَمّا كانَ القائمونَ على كليّةِ الآدابِ حريصينَ على بنيتِها التحتيّةِ ومرافقِها بحيثُ تَفي بالغرضِ المَنوطِ بها، فقد جَهَّزوا فيها مُؤخَّرًا 5 قاعاتٍ تُستخدَمُ لأغراضٍ أكاديميّةٍ متعدّدة، من مثلِ التدريسِ والنَّدواتِ والمُحاضراتِ وَمُناقشاتِ الرسائلِ والأُطروحات، كما جُهِّزَتْ 3 مُختبراتٍ تحتوي على أكثرَ مِنْ 90 جهازَ حاسوبٍ تُستخدَمُ لتدريسِ الجانبَيْنِ العمليِّ والتطبيقيِّ في بعضِ التخصّصات، التي تُشَكِّلُ جزءًا مِنْ خُطَطِها الدراسيّة، هي: مختبرُ الاستشعارِ عن بُعد، ومختبرُ نُظُمِ المعلوماتِ الجغرافيّة، ومختبرُ التحليلِ الإحصائيّ، يقومُ عليها عددٌ مِنَ الفنيينَ المُدَرَّبينَ مِنْ أصحابِ الخِبرةِ والكفايةِ والدِّرايةِ في إدامةِ أجهزتِها.
وَلأعضاءِ هيئةِ التدريسِ في الكليّةِ نشاطٌ فاعلٌ محليٌّ وإقليميٌّ ودوليٌّ، يتمثَّلُ في مشاركتِهم في المؤتمراتِ والنَّدواتِ والحَلَقاتِ العلميّةِ والمقابلاتِ الإعلاميّةِ وَوُرَشِ العملِ المتخصّصة، فضلًا عن مشاركةِ عددٍ منهم في زياراتٍ علميّةٍ ضِمنَ برامجِ التبادلِ الأكاديميِّ لجامعاتٍ أجنبيّة في دولٍ متعدّدة، مثل: أمريكا، وبريطانيا، وألمانيا.
وفي السياقِ نفسِه، فإنّ كليّةَ الآدابِ تحرِصُ على نحوٍ دَورِيٍّ على عقدِ يومِ الكليّةِ العلميِّ السنويِّ، الذي تُشرِفُ عليهِ العَمادةُ، ويكونُ للطلبةِ فيهِ دورٌ فاعلٌ ورئيس، فضلًا عن عَقدِها خلالَ الفترةِ (1999 - 2020) عددًا مِنَ المؤتمراتِ والنَّدواتِ وَوُرَشِ العملِ ضِمنَ المناسباتِ المحليّةِ والدوليّةِ المختلفة، بالتعاونِ معَ المؤسّساتِ الوطنيّةِ المتخصّصة، مثلِ وَزارةِ الثقافة، وَوَزارةِ التنميةِ الاجتماعيّة، والمجلسِ الأعلى للسُّكان، كما تحرِصُ على بناءِ جُسورٍ مِنَ التواصُلِ معَ مُؤسّساتِ المجتمعِ المحليِّ والمجامِعِ العلميّةِ والمراكزِ المُتَخَصِّصة؛ الحكوميّةِ والخاصّة؛ بِقَصدِ تعميمِ دورِها المعرفيِّ والتنويريّ، وَرَجاةَ الإفادةِ مِنَ المُنجَزاتِ العلميّةِ والثقافيّةِ على أوسَعِ نِطاقٍ مُمكن.
ولا تنفَكُّ كليّةُ الآدابِ تَحُثُّ الخُطى مُواصِلةً تنفيذَ رسالتِها ورؤيَتِها الأكاديميّةِ والمعرفيّةِ عبرَ نشاطاتٍ ثقافيّةٍ مختلفة، يتناغَمُ فيها الحِسُّ الانتمائيُّ في ضَوءِ التعاونِ بينَ الطلبةِ والأساتذة؛ إعدادًا وتنفيذًا، كما تستضيفُ مُحاضِرينَ وأُدباءَ مِنَ المُجتمعاتِ المحليّةِ والعربيّةِ والعالميّةِ لإلقاءِ مُحاضراتٍ علميّةٍ وإقامةِ فعاليّاتٍ أدبيّةٍ وفكريّةٍ متنوّعة.
وكليّةُ الآدابِ إذ تسعى إلى تحقيقِ رسالتِها وأهدافِها فإنَّها تَتَّبِعُ في سبيلِ ذلكَ مجموعةً مِنَ القِيَمِ العُليا التي تُحَدِّدُ شخصيَّتَها وتميِّزُ مسيرَتَها، وهي تتلخَّصُ في الآتي:
الالتزامُ الاجتماعيُّ والأخلاقيّ: وهوَ التزامٌ يَتَّفِقُ معَ المُثُلِ الإسلاميّةِ والإنسانيّةِ العُليا، وَيَتَواءمُ معَ المورثاتِ العربيّةِ التي تسايرُ الحَداثة.
الرؤيةُ العالميّة: إذ تسعى الكليّةُ –بدايةً- إلى اعتمادِ جميعِ برامجِ البكالوريوس دوليًّا، ثمَّ اعتمادِ برامجِ دراساتِها العُليا في الماجستير والدكتوراه.
الجودة: وتتمثَّلُ في التزامِ الكليّةِ معاييرَ أكاديميّةً رفيعةَ المستوى، معَ حرصِها الدائمِ على تطويرِ العمليّةِ التعليميّةِ التعلُّميّة، وسعيِها الحثيثِ إلى النُّهوضِ بالبحثِ العلميِّ وخدمةِ المجتمع.
الإبداع: ويظهرُ ذلكَ جَلِيًّا في التزامِ الكليّةِ العملَ على بناءِ الإبداعِ ورعايتِه، ودعمَ التجديدِ في مسيرتِها نحوَ التميُّزِ العلميّ.
خدمةُ المجتمع: وَيُؤكِّدُ ذلكَ سعيُ الكليّةِ إلى توطيدِ علاقاتِها معَ المجتمع، وخدمتِهِ والنُّهوضِ به، والعملِ على تنميتِه، ورفدِهِ بالمعرفةِ العلميّة.
الحريّةُ الأكاديميّة: وَتُشَجِّعُ الكليّةُ –في هذا الصَّدَدِ- على الانفتاحِ وَسَعَةِ الاطِّلاع، وتدعو إلى العدلِ والإنصاف، وتلتزمُ الحريّةَ الأكاديميّة.
الوسطُ التعليميُّ الداعم: تَتَّبِعُ الكليّةُ نهجًا قائمًا على أنّ طلبتَها محورُ العمليّةِ الأكاديميّة؛ لِذا فهيَ تحرِصُ على أنْ تُهَيِّئَ لهم بيئةً مناسبةً لبناءِ الفكرِ الناقدِ والحوارِ الهادف، يمتلكونَ فيها أدواتٍ ووسائلَ تُمَكِّنُهم مِنَ احترامِ الاختلافِ في الرأي.
القيادةُ والتعاونُ المُشترك: يتمثَّلُ سعيُ الكليّةِ إلى تحقيقِ هاتينِ القيمَتَيْنِ في التزامِها ترسيخَ العملِ الجماعيِّ مِنْ جهة، والتسامحَ وقيادةَ الآخرينَ بالقُدوةِ مِنْ جهةٍ ثانية.
بناءً على ما سَلَف، ولمّا كان تَوَجُّهُ رئاسةِ الجامعة مُنْصَبًّا على تطويرها والنُّهوض بها، فقد حَرِصَ الأستاذُ الرئيسُ نذير عبيدات على لقاء أعضاء هيئة التدريس في الكليّات جميعِها، والتحدُّثِ إليهم والتواصُلِ مَعَهم، مُؤكِّدًا دورَهم في العمليّةِ التعليميَّةِ التعلُّميَّة، وحاثًّا إيّاهم على اتِّباع أساليبِ تدريس تَتَّفِقُ معَ الظروفِ الصحيَّةِ والاجتماعيَّةِ الراهنة وَتَتَواءمُ معَ التِّقَنِيّاتِ الحديثة، وَتَرتَقي -في الوقتِ نفسِه- بمستوياتِ الطلبةِ العلميَّةِ والمعرفيَّة، بحيثُ تُكسِبُهُم مهاراتٍ حياتيَّةً وَتَنهَضُ بهم على نحوٍ يُمَكِّنُهم من أداء واجباتِهم نحوَ الوطن.
ولمّا كانتِ الآدابُ جزءًا رئيسًا من نسيجِ الجامعة، وكانت لديها رسالةٌ ساميةٌ فحواها تعزيزُ دور الجامعة الأردنيّة في المحافل الثقافيّة والأدبيّة والفكريّة، فإنَّ إدارَتَها الجديدةَ -مُمَثَّلَةً بعمادَتِها وأعضاءِ هيئتيها التدريسيَّةِ والإداريِّة- حريصةٌ على التواصل معَ المجتمع المحلي وخدمته، وعلى إقامة الحوارات والتفاعل الذي يُغني الفكرَ الجامعيّ، وهي –في الآنِ نفسِه- جادَّةٌ في الاهتمام بالأنشطة غير المنهجيّة، التي ينجُمُ عنها بناءُ شخصيّة الطالب بوعي حادّ يواكبُ التحدِّياتِ الراهنة، كما أنها عازمةٌ على تطوير بُنيَتِها التحتيَّة، وهي تسعى إلى التوسُّع في برامج الدراسات العُليا وإنشاء برامجَ على مستوى البكالوريوس تلبيةً لمطالب السوق المحليّ والدوليّ، وترنو إلى تطبيق معايير الجودة على البرامج الأكاديميّة وَفقَ منهجيّات تحققُ معاييرَ التميُّز والرِّيادة في قطاع التعليم العالي، وتتطلَّعُ إلى تحديث مختبراتها وتزويدها بالتجهيزات والبرمجيات المتطوّرة، وَتَتَغَيّا تشجيعَ أعضاء هيئة التدريس على المشاركة في المؤتمرات والندوات المحليّة والإقليميّة والعالميّة، وَتَتَبَنّى دعم المبادرات الشبابيّة والعمل التطوعيّ لترسيخ الوعي الوطنيّ ومبادئ الولاء والانتماء للقيادة الهاشميّة المُظَفّرة، فضلًا عن تجذير ثقافة البحث العلميّ وصولًا إلى كليّة بحثيّة رائدة ومتميّزة في التعلّم والتعليم على المستويين المحليّ والعالميّ.
وبعدُ، فإنّ كليّةَ الآدابِ بأقسامِها السَّبعةِ فضاءٌ لُغَوِيٌّ نَدِيٌّ يانِع، وَبَيْدَرُ علمٍ سَنِيٌّ نافِع، وروضةُ فكرٍ رَحبٍ شاسِع، دَيدَنُها التأصيلُ لإرثٍ معرفيٍّ أبستمولوجِيٍّ ينهضُ بالأُمّةِ بانفتاحٍ مُتَوازِن؛ عقلًا وَنَقلًا على المُنجَزاتِ والخِبراتِ العالميّةِ في العلومِ كُلِّها دونَ انحِياز.