من “إطالة اللسان” إلى “حبس المدين”!
باسم سكجها
02-10-2021 07:08 PM
التوجيه الملكي للحكومة، اليوم، بإغلاق ملف قضايا “إطالة اللسان”، ومنح المحكوم عليهم عفواً خاصاً، يحمل معاني كثيرة لعلّ أهمها الإيذان بمرحلة جديدة، عنوانها: “عفا الله عما سلف”، والقواعد التي ستحكم أعمالنا تتضمّن سياقاً مختلفاً، وهذا ما يدفعنا إلى حديث آخر ليس بعيداً عن هذا التوجيه من الملك.
ويؤسفنا، هنا، أن نقول إنّ الأردن بات الدولة العربية التي تنفرد بكونها تحبس المدين، وليس لدينا معلومات مؤكدة حول أنّه صار الدولة الوحيدة في العالم، ولكنّ ربّما يمكن أن تنافسه في ذلك دول قليلة تعيش على هامش الحياة المدنية، وما زالت تتبنّى شريعة الغاب عنواناً لها.
الطريف في الأمر، أنّ القانونيين الأردنيين من أهمّ من أسسوا البناء القانوني والدستوري لدول الخليج العربي، على مدار عشرات السنوات، وها هي البحرين اليوم تمنع بالقانون حبس المدين، أمّا في الأردن فالأمر ما زال مفتوحاً على آخره لحبس ملايين الناس، لسبب واحد وحيد هو أنّ المراباة المجرمة ما زالت تحكم قانوناً ظالماً…
المعروف لدينا جميعاً، أنّ بعض البنوك الأردنية هي التي باتت تتحكّم في معظم تفاصيل حياتنا، وهي المؤسسات الاقتصادية الوحيدة التي لم تخسر في يوم ما، حتى في عهد كورونا، ليس لأنّها شغّلت الإقتصاد، أو لا سمح الله صنعت فُرصاً حقيقية للقضاء على البطالة، والفقر، ولكن لأنّها تعرف أنّ القانون صُنع من أجلها، وهي تتمادى في إساءة إستعمال تلك الفُرصة الجشعة.
مئات الإعلانات تظهر يومياً في الصحف، غير المقروءة أصلاً، منذرة البشر بالحبس، وعلى القاضي المغلوب على أمره، بعد أسبوعين، إصدار حكمه بسجن هؤلاء، وإرسال الأمر إلى دوائر الأمن العام، التي ستكون مضطرة وهي المغلوب على أمرها أيضاً، بالقبض على هؤلاء الملايين من الأردنيين.
صحيح أنّ الحكومة أصدرت أمر الدفاع رقم ٢٨ الذي يؤجل حبس هؤلاء حتى آخر السنة، لسبب كورونا واكتظاظ السجون، ولكنّ الصحيح أيضاً أنّها كتبت قانوناً جديداً تقدّمياً، بعد دراسات متأنية، وتمّ الإعلان عن تفاصيله، ووضعته على موقع ديوان الرأي والتشريع، لأخذ الآراء حسب العرف القانوني، ثمّ عادت ووضعته هناك مرّة ثانية لسبب التزيّد في الآراء، وتلك سابقة، والآن يعيش الأردنيون في حالة إنتظار لما سيكون من موقف حكومي حاسم.
في التقدير الشخصي، أنّ هناك جهات مالية متنفّذة تعمل على وضع القانون الجديد في الأرشيف، داخل الأدراج المغلقة، لأنّها لا تأبه بحبس الشعب كلّه، بل تعيش همّها الجشعي التاريخي بتحقيق الأرباح، ولو على الورق الذي سيعلن في إفصاح فصلي أو سنوي في البورصة!
علينا أن نكون صريحين، فالأردني بات رقماً مرشّحاً للسجن، والأردنيون صاروا أرقاماً في بورصة الجشع الذي يتغالى في غيّه، وهذا في حقيقة الأمر جريمة إقتصادية ستظلّ تكرّس حقيقتها حتى يخلق الله أمراً كان مفعولاً.
يبقى عندنا قولنا إنّ الأردن الذي يُقدّم نفسه إنموذجاً للتقدّم، عليه أن لا يكون أمثولة للرجعية والقهر والظلم، والكرة الآن على ما يبدو عند الحكومة، خصوصاً مع توجيه جلالة الملك اليوم بالتسامح وهو أمر يتعلّق به شخصياً، ولم يتبق عندها سوى أن ترميها في هدف الظلام، وتنتصر للأردنيين والضمير الإنساني المكرّس عهداً دولياً فاعلاً، فترسل مشروع القانون لمجلس النواب الذي طالب بكلّ أعضائه بهذا الأمر، وللحديث بقية…