تتقارب عمان مع دمشق مرة أخرى، إنه تخطٍّ لأزمة العقد الأخير. التاريخ من يُملي الإرتباط المتماسك وهو من يُحكِم عروة القومية الوثقى.
لا جسد يملك أن يتخلى عن نصفه، إنهما حصن العروبة الأخير، حيث تقتات الشعوب على أهازيج البطولات وتحلم بالوحدة والحرية والإنعتاق، منذ مؤتة واليرموك وحتى ميسلون.
تتقارب جلق الشام مع ربة عمون. لم يكن واجبا أبدا أن تفترقا. وبينما غابت دمشق ردحا من القسوة والألم، كان واجباً على خلق العروبة الوعر الذي اكتنفها، إعادتها، في حين أن طرق العودة للعرب كلهم تبدأ من عمان.
يشير محللون في الإقليم أن زيارة جلالة الملك للولايات المتحدة ولقاءه بايدن، أتاح مساحة للمناورة حيال إعادة ترتيب لخارطة الإقليم السياسية، وأن انصراف الإدارة الأمريكية الجديدة نحو ترتيب البيت الداخلي، وتبني إغلاقات مبرمجة لساحات المعارك الأمريكية الخاسرة بدءاً من افغانستان وليس انتهاء بالأزمة السورية، قد وفّر لجلالة الملك استخدام وزنه السياسي العالمي المهم في السعي نحو حثّ الأمريكان وإقناعهم بتجاوز قانون قيصر وهو القانون الذي أقرته الولايات المتحدة ويهدف إلى الضغط السياسي والاقتصادي على الحكومة السورية، وقد كان هذا القانون يُشكّل عقبة أساسية أمام إعادة سوريا لاعبا رئيسا في السياسة الإقليمية. وبالطبع فإن ذلك لم يكتمل إنجازه دون ضوء روسي أخضر.
مؤلم بقاء سوريا خارج محيطها العربي والإقليمي مثلما هو مؤلم هذا القلق الذي يعتري الدولة السورية بكل مكوناتها، ولن يفعل هذا التشظي العروبي سوى إنتاج مزيد من الأزمات ومزيد من الإلتهاء بالمآزق الداخلية في كل قطر عربي، وبالنتيجة، مزيد من الإنقسامات التي ستؤول نهاياتها إلى ما آلت إليه ممالك الطوائف في الأندلس.
هنا في هذا القطر العربي، تنظر المملكة وقيادتها بعين حكيمة متوازنة للأمر.
نحن بحاجة سريعة وأساسية إلى ضمان أمن حدودنا الشمالية، وبحاجة أكثر إلى ترميم الضرر الكارثي الذي أحدق بنا جرّاء الأزمة في سوريا، اقتصاديا بالدرجة الأولى، ونحن بحاجة ماسة في هذا السياق، إلى فتح المنافذ التجارية وإعادة تدفق البضائع في كلا الإتجاهين.
وإذ نعدّ الإقتصاد رافعة مهمة لهذا التقارب، فإن التاريخ العروبي المشترك لكلا الشعبين رافعة أساسية ومهمة لم يعتريها الصدأ، بقيت صلبة وقاسية على العاديات مذ استقبل السوريون فيصل الأول وقد دخل دمشق على ظهور الخيل ملكا وفاتحا، فنهضت بدخوله، المملكة العربية السورية دولة مستقلة في تلك البلاد التي ما ارتفعت فيها راية غير راية الوحدة والحرية.
بلا شك، فإن اختراق الغلال المريرة الذي التفّت حول عنق العلاقة مع سوريا مثير للتفاؤل على أكثر من صعيد. حيث تتقدم الاهداف الإقتصادية والسياسية هذا التفاؤل، وحيث يعود ممكنا للأردني والسوري معا، تناول قهوة الصباح على جبلي القلعة وقاسيون، بمتعة وسرور، تماما كما في الأيام الخوالي.
أهلا مرة أخرى بالياسمين الدمشقي.