الخيارات والاضطرارات .. ومنطق المصارحة ايضا
حسين الرواشدة
27-06-2010 04:38 AM
اعتقد ان حاجتنا اليوم الى فقه المصارحة يتقدم على كل ما نفكر به من اولويات اخرى حتى اولوية الاصلاح نفسها ، ذلك انه لا يمكن ان نقنع الناس ونطمئنهم على حاضرهم ومستقبلهم ، وننتزع ما يشعرون به من قلق وارتباك ، ما لم نتعامل معهم بمنطق "الكلام المباشر" بما يقتضيه من صدقية وصراحة ، وبما يبعثه من رسائل واضحة يستطيع الناس ان يستقبلها بوضوح لردم ما حدث من فجوة او فهم ما جرى من مستجدات او لطي صفحة الماضي بما اعتراها من هنات وخلل.
لا اريد الدخول في تفاصيل فقه "المصارحة" او واجبات المكاشفة ، مع ان فقهاء الدين "للأسف" لم يعتنوا كثيرا بهذا الموضوع نظرا لتركيزهم على فقه الاحكام بدلا من فقه الحياة والانسان ، ومع ان فقهاء السياسة ايضا لم يفلحوا ايضا في اقناع المتلقي بما ابدعوه من مصطلحات رديفة تعبّر عن المعنى المقصود ولكنني اشير الى مسألة تتعلق بخطابنا العام وما يصدر عنه من رسائل في هذا الاتجاه او ذاك.
احدى هذه الرسائل تقوم على افتراض انه ليس لدينا الكثير من الخيارات واننا -بالتالي - محكومين لمنطق "الاضطرارات" ، وهذه قد تبدو صحيحة احيانا ، ولكن اقناع الناس بها يحتاج الى منطق "المصارحة" بمعنى ان نبسط كل الحقائق امامهم ، ونفتح ابواب الحوار والنقاش حولها لكي ننجح بالتالي في التأثير فيهم ، وتحويلهم من "مدرجات" المتفرجين الى دوائر المشاركة الفاعلة من هذه الرسائل -ايضا - ما يقوم على افتراض امكانية الاستدعاء وقت الطلب والحاجة ، بمعنى ان "لواقط" الناس مفتوحة دائما لاستقبال ما يصلها من ذبذبات ، ومن ثم الاستجابة لها ، وهذا -بالطبع - غير صحيح اذ ان الرسالة الجيدة لا تعتمد فقط على صياغة الديباجات وتكرار البدهيات وانما على "الادلة" والبراهين ، او -ان شئت - على"صناعة" الحدث لا على صناعة الكلام عنه او حوله او -حتى - بالتحفيز على القيام به.
منطق المصارحة -ايضا - لايتعلق بخطاب يوجّه الى الافراد بانتقائية ، معزولة عما يحدث في الواقع ، ولايتعلق بقضايا تفصيلية مختارة ، وانما يفترض ان يكون "عاما" وعميقا وشاملا ، بمعنى ان يبدأ من تحسين المناخات وتوسع دوائر الاتصال ، وازالة ما حدث من انسدادات او -ان شئت - اعادة النظر في "السيستم" النظام السائد لان المشكلة لا تتعلق باتجاهات الافراد وميولاتهم وانما بما تولّد لديهم من "قناعات" بان غذا لن يكون افضل من الامس ، وهذا الخطاب ضد فكرة "احياء" الامل واشاعة"الثقة" التي يحتاجها الخطاب -اي خطاب - ليكون جيدا ومقنعا في آن.
لدى الناس احساس يتعمق يوما بعد يوم بان مجتمعنا يمر بمشكلات صعبة وان مواجهتها تحتاج الى اشكال مختلفة من الحلول والتضحيات والمبادرات ومن التضامن والتعاون والفهم المشترك ولكن هذه الشراكة التي تسعى الى ردم الفجوة بين الاضطرارات والخيارات تحتاج دائما الى منطق "المصارحة" لا على صعيد المقررات فقط ، وانما ما يصدر بعدها من "خطاب" لتفسيرها وتمريرها او ما يرتد من صدى لذلك لدى المعنيين بقبولها والاستجابة لها ايضا.
تنويه اخير:
مسؤولية تحسين الخطاب العام لا تتعلق بالحكومة فقط ، وانما بالنخب والمجتمع ولا تقتصر على "الاعلام" وانما تتجاوزه الى المنابر والمراكز الاخرى ، ولا تتعلق بالاسلوب والادوات وانما بالمضامين ايضا.
الدستور.