التنامي الواضح في أعداد الطلبة وانتقالهم بين مراحل التعليم المختلفة رأسيا وأفقيا حتى قمة الهرم التعليمي ، أي من التعليم الأساسي مروراً بالتعليم الثانوي وحتى مراحل التعليم الجامعي ، يدفعنا إلى مراجعة واقعية واضحة لبحث الحاجة الملحة إلى وضع معايير تربوية قياسية لاختيار الجودة الأفضل ، تأهيلاً وتدريباً ومهارةً واستعداداً من قبل المعلمين المتقدمين للالتحاق بمهنة التعليم ، سواء المتخصصين تربويا أو غير التربويين ، فحاجتنا لذلك حاجة حتمية ملحة يفرضها واقع التعليم وهذا ما حرصت عليه وزارة التربية والتعليم وسعت الى تحقيقه ، بعد إجراء المقابلات ضمن الاسس والشروط المستندة إلى المعايير المهنية الموضوعه من قبل ديوان الخدمة المدنية لاختيار المعلمين ، إلى جانب تدريب المعلمين عند تعينهم ومنحهم الوقت الكافي في ذلك قبل ممارستهم المهنة بهدف تهيئتهم وتنمية مهاراتهم وتزويدهم بما يعزز كفاءتهم المهنية والعلمية ويتناسب مع المعايير القياسية للجودة النوعيّة للمعلم مهما كان حجم الطلب على المعلمين قليلا أم كثيرا ، بغية تحسين جودة مخرجات النظام التعليمي ، وفق اقتصاد قائم على المعرفة .
لقد سعت وزارة التربية والتعليم الى ايجاد آليات عمل مدروسة ومعايير تربوية قانونية صحيحة وصريحة ليظهر الدور الكبير الملقى على عاتق ادارة التدريب والتأهيل والإشراف التربوي في وزارة التربية والتعليم ، للعمل على تذليل كل الصعوبات وتوفير جميع الإمكانات في سبيل تهيئة معلم منتج في جعبته المقدرة على التفاعل مع جوانب العمل التربوي أكاديمياً و مهنيا ، فنحن نعي تماماً ان الحاجة باتت ضرورية لتأهيل المعلم وصقل شخصيته بما يتطلبه النظام التعليمي الجديد أكاديميا ومهنيا مما يؤدي إلى بروز الدور المحوري والواضح لوزارة التربية والتعليم في ضرورة إيجاد برامج التأهيل التربوية التي تضمن الأعداد الجيد للمعلم ، لذلك عمدت إلى إقامة شراكات حقيقية مع مختلف القطاعات التربوية وعلى رأسها أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين من أجل الارتقاء بالمستوى المهني لهذه المهنة بما ينسجم والتربية الحديثة في عالم متطور دائم التغير والتجدد .
من هنا وجب علينا بحث الآليات المتطورة في اختيار المعلمين وانتقائهم ، فعند حاجتنا المتزايدة إلى كوادر تدريسية وبأعداد كبيرة يحب أن لا تنخفض اهمية بعض الشروط التي وجب تحققها في تلك الكوادر لسد الحاجة الملحة إليه اضطرارا ، حتى يتوفر الشيء المطلوب ، فقد مرت وزارة التربية والتعليم بحهود مضنية لتوفير الكوادر التعليمية خاصة في بعض التخصصات التعليمية التي تجد شحا في خريجيها وكما سبق وأشرت ، فاختبار الكفاءات التعليمية ينبغي أن يكون متطورا بكل المقاييس بحيث يضمن اصطفاء أفضل العناصر التي يمكن أن تلعب دورا فاعلا في تحسين وتطوير العملية التربوية ، فلقد استوقفني عند اطلاعي على آليات انتقاء المعلمين في بعض دول العالم تجربة جامعة بيركلي في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية ، من حيث أن البرنامج الذي تطبقه في انتقاء العاملين في القطاع التربوي لا يتم إلا وفق معايير محددة بناء على مجموعة من الاختبارات للمتقدمين لوظائف التعليم أهمها فيما يتعلق بالمعايير التربوية الضرورية والمقاييس المرجوة التي وضعتها الدولة كثوابت هامة في سبيل النهوض بالعملية التعليمية التعلمية كجزء ضروري ومهم من ثقافة المعلم المرشح للتوظيف ، إضافة إلى المعايير التربوية الخاصة لكل منطقة جغرافية والتي تتمحور حول تحقيق أفضل الشروط الفنية بما يحقق الأهداف المأمولة ولنتخذ بذلك شعارا يقول : أعطني معلما أعطك أمّة .
وأخيرا أود أن أقول أننا ما زلنا بحاجة إلى كليات جامعية خاصة بالمعلمين ، تعمل على تخريج كوادر مؤهلة لكافة التخصصات التربوية على غرار كليات المعلمين الخاصة والمنتشرة في الكثير من دول الجوار وفي شتى دول العالم مثل كلية المعلمين _ جامعة كولومبيا _ وغيرها، ماهيتها تخريج المعلمين المؤهلين تأهيلاً تربويا ومهنياً لترفد الوزارة بحاجاتها من تلك التخصصات ، فمتى سيتم استحداث هذه الكليات في جامعاتنا الأردنية المنتشرة في أرجاء الوطن ؟
بقي ان أقول ، ونحن نقترب من اليوم العالمي للمعلم ، وحيث أن وزارة التربية والتعليم تبذل قصارى جهدها في تطوير المناهج والمقررات ، اضافة الى دورها في تهيئة جميع الظروف وتوفير الإمكانات من أجل تشجيع الاستثمار في المعلم الذي هو أهم ما نملك؟ فلقد آن الأوان أن نعترف بأن المعلم الكفؤ هو الذي يفعّل تلك المناهج وهو الذي بيده تحقيق أهدافها ، وهو الذي يجعلها قادرة على إفادة الوطن من خلال الأجيال التي تتلقى على يديه العلم والخلق الكريم والسلوك الحسن ، وهذا المعلم يجب أن يتم انتقاؤه حسب معايير قياسية محددة ووفق أهداف إستراتيجية واضحة ، فهو اخطر عنصر بشري في إطار القوى البشرية العاملة في أي مجتمع من كان.
والله ولي التوفيق