«الحقيقة البيضاء» بعصر اللاقراءة
ناديا هاشم العالول
27-09-2021 11:27 PM
لا شك أن تدوين السيرة الذاتية كمذكرّات تقرأها الأجيال من أكثر أنواع الكتابة التي تُحدث جدلا مع أم ضد، علما بأننا مع كتابة السِيَر الذاتية شاء من شاء وأبى من أبى..
فالكتب كانت وما تزال بمثابة حلقات لمشاركة التجارب والتعرّف على عوالم وأشخاص وثقافات مختلفة وكأننا نعيش أكثر من حياة.. فهي الكنز الزاخر بتجارب الآخرين مستفيدين من تجارب شخصيات عرفت الصعوبات وكيف تغلبوا عليها ورسمت التاريخ وأسّست قواعد عامة في مجالات الحياة.. إلخ من أحداث جديرة بالإطلاع عليها بعهد «اللاقراءة» حيث السوشال ميديا هي المتحكّمة بنا والمركّزة فقط على «مين راح ومين اجا»!
فمذكرّات «ليس سهلا أن تكون ملكا» و«مهنتي كملك» للمغفور له الملك الحسين بن طلال «ومذكرات الملك عبدالله الثاني» التي بدأها بقوله «أنا لست أبي» الذي لم يعرف الناس غيره طيلة خمسة عقود.. تركت أثرا بالعقل والقلب والوجدان.. ناهيك عن كتاب «من أجل الحريّة» لنيلسون مانديلا، حيث يحكي قصته مع العنصرية وكيفية تخلّصه من احتلال دام ثلاثة قرون.. إضافة الى مذكرات «محمود العقاد» في «حكاية قلم» و«رضوى عاشور» ورحلتها أيّام كانت طالبة تدرس بأميركا.. الخ
أنا لست بصدد الدفاع عن هؤلاء السياسيين بعامة وسيرهم الذاتية بخاصة على الإطلاق، لا بل أود التوقف عند محطة مهمة؛ بأنه لا يجوز التقليل من قيم هذه المذكرات، فهي خبرات عاصرت السنين وعصرَتْها وخرجت منها بمحصلة يمكنها أن تفيد البشر فيحذون حذوها حيث نجحت ويتجنبون إخفاقاتها حيث أخفقت، وهنا مربط الفرس!
تداعت هذه الأفكار أثناء حضورنا إشهار مذكرات طاهر المصري رئيس وزراء المملكة الأردنية الهاشمية المولود في نابلس عام 1942 والذي عاصر نكبة 1948 وشهد وحدة الضفتين عام 1950وثورة يوليو في مصر وحُكْم عبدالناصر، وحرب حزيران 1967 وما يتبع..
علاوة على تقدير الغالبية لموقفه الديمقراطي بعدم التنسيب بحل مجلس النواب جرّاء معارضة الأغلبية النيابية لمنح الثقة لحكومته بعام 1991مما أثار إعجاب الكثيرين وتم انتخابه رئيسا لمجلس النواب الحادي عشر..
مذكرّات قيمة، فبقدر ما سمعنا الثناء الكبير عليها، بالمقابل تساءل البعض: لماذا يدوّن السياسيون سيرهم الذاتية وهم أثناء حكمهم لم يقدموا الكثير.. والحقيقة أن ذاكرة البشر تضعف عند تذكّر الإنجازات وتقوى وتصبح حادة عند تذكّر الأخطاء مهما كانت واهية..
فكتابة المذكرات هي اكثر انواع الكتابة التي تثير جدلا ومع ذلك لها قيمة سياسية واجتماعية نتعرف من خلالها على الجانب الإنساني لكاتب المذكرّات.. اذكر منها كيف ان الملك حسين وهو صغير كان يتوق لان يمتلك دراجة ولم تسنح له الفرصة بذلك إلا بعد انتظار طويل..
انتقد البعض سعر كتاب «الحقيقة البيضاء» بجزأيه، والبالغ 25 دينارا مع أن المنتقدين ينفقون أضعافه على السجائر والشيكولاتة وأمور واهية أخرى..
فما أحوجنا لأنْ نتحلّى بالموضوعية فنقدّر الجوهر لا المظهر مستفيدين من هذا المجهود بدلا من رفضه
ياليتنا..
(الرأي)